من وحي الهجرة النبوية المباركة.
بسم الله الرحمن الرحيم:
(وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) الأنفال30 
يحتفل العالم الإسلامي في أول محرم الحرام من كل عام بحدث جليل وعظيم له معان ودلالات إنسانية وأخلاقية كبرى غيرت وجه التأريخ. هذا اليوم الذي الكثير من المعاني والدروس والعبر لمليار ونصف المليار مسلم الذين تجمعهم الشهادتين العظيمتين (أشهد أن لا إله ألا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) ولبقية البشر الذين يهمهم معرفة فحوى هذه العقيدة الراقية وجوهرها النقي   الذي لاتشوبه شائبة والتي يحاول اليوم العديد من المحسوبين عليها تشويهها وجعلها عقيدة ذبح وانتقام ودمار نتيجة للجهل والتعصب الأعمى الناتج عنه.  
إن تأريخ السنة الهجرية يرمز إلى تلك الهجرة المباركة التي قام بها خير البشر وأنبلهم وأكرمهم وأعظمهم خلقا نبينا محمد ص مع كوكبة من خيرة أصحابه المنتجبين المخلصين المضحين الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم من أجل الدفاع عن بيضة الإسلام، وطبقوا مقولة الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري:
(القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار ) ولم يبالوا بما لاقوا من أذى وظلم طغاة وعتاة قريش مالا تتحمله  الجبال الرواسي. فتجسدت في تلك الهجرة من مكة المكرمة إلى يثرب التي سميت بالمدينة المنورة تيمنا بدخول الرسول الأكرم ص وصحبه إليها أنبل القيم والمشاعر الإنسانية التي بشر بها الله جل وعلا في كتابه الخالد القرآن العظيم وعلى لسان نبيه الهادي الأمين محمد بن عبد الله ص.
ففي الهجرة ازداد تمسك المسلمين بعقيدتهم، وتركوا كل متاع الدنيا وملذاتها ومغرياتها،وأثبتوا للتأريخ وللدنيا برمتها تلك الحقيقة الرائعة أن لاحياة مع الذل والعبودية والظلم أبدا.
لقد قال عتبة بن غزوان أثناء تلك الرحلة الإيمانية الخالدة:
(إني وأصحابي قد دميت أفواهنا من أكل خشاش الأرض وكان يضع كل واحد منا حجرا على بطنه ليدرأ عنه غائلة الجوع.)
لقد كانت تلك الهجرة انعطافا حاسما في تأريخ الأمة الإسلامية   وحري بنا نحن المسلمين أن نتوقف عندها ونستخلص منها القيم النبيلة والدروس والعبر والعظات البالغة التي تنير الطريق لكل من أنحرف عن جادة الحق. وسيطرت على ذهنه الأفكار الضالة   التي حاربها هذا الدين الحنيف المتكامل حربا لاهوادة فيها.ولابد من خلالها أن نراجع أنفسنا لنصلح من حالنا وما وصلنا إليه من تخلف وتراجع وعجز ونكوص بعد أن تغلغلت الفتن الطائفية والعنصرية المقيتة إلى جسد الأمة الإسلامية، وسفك حكام القهر والجريمة والظلام دماء المسلمين بلا خوف من الله.    
إن الإسلام هو دين الرحمة والتعاطف والمداراة. وإنه جاء ليقضي على كل هذه الرواسب الجاهلية التي يروج لها الطغاة    ليتحكموا من خلالها برقاب شعوبهم. هؤلاء الطغاة الذين يعتبرون أنفسهم إنهم خلقوا من غير طينة البشر ويحللون ماحرم الله ولا يحق لإنسان الاعتراض على ظلمهم وطغيانهم وجبروتهم ولو بكلمة.  والله خاطب هذه الأمة في كتابه العزيز بأنها خيرأمة أخرجت للناس رغم انحراف المنحرفين ودعوات الضالين القتلة الذين اساءوا إساءات بالغة إلى هذا الدين الناصع النقي القويم الذي يرفض الباطل وسفك الدماء والعنف الأعمى. ويدعو إلى السلم والمحبة والإخاء والخلق القويم والرحمة والتعاون بين البشر على أساس قوي من المبادئ الإنسانية الخلاقة التي تعمر الكون وتجعل منه واحة للسلام بين كل المسلمين وغير المسلمين على اختلاف ألوانهم وقومياتهم  حيث  قال الله في محكم كتابه العزيز:
بسم الله الرحمن الرحيم:
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )التوبة:128
ووصف الله رسوله الكريم ص في آية أخرى:
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم -4
وخاطب رسول الإنسانية ص أمته قائلا:
(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)
وهو القائل ص لأمته:
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).
وحين يكون المسلم جميل الخلق، طاهر القلب، رحيما عطوفا مضحيا في سبيل الآخرين يكون قد اهتدى بدين الحق، وبخلق سيد الخلق ص الذي هو القدوة والأسوة لكل البشر.  
وكفرد مسلم أتساءل ويتساءل معي الكثيرون من المسلمين أين نحن اليوم من هذه القيم العظيمة التي حملها لنا هذا الدين القويم النقي ؟ ولماذا تبتعد أمتنا الإسلامية عن هذه المبادئ الأخلاقية النبيلة ؟وكيف يجوز لقاتل يقول إنني أدين بدين الإسلام ويفجر جسده بين حشد من البشر فيمزق أشلاءهم إربا إربا.؟ أو يشحذ سكينا ليحز به رقبة إنسان بريئ أعزل لاحول له ولا قوة  ويرتكب جريمته بصيحة (الله أكبر)؟ ومن الذي خول هذه الوحوش البشرية الهجوم على مناطق مسالمة آمنة، وترويع الملايين وتهجيرهم من ديارهم.؟ وباي حق تقتل الشعوب بطائرات ف16 وتحاصر وتُجَوًع باسم الشرعية الزائفة التي يتبجحون بها كما يفعل طغاة آل سعود باليمن اليوم؟ وما الفرق بين تلك الغزوات الجاهلية وهذه الجرائم الدولية والتي هي أشد فتكا وهولا ودمارا منها بآلاف المرات نتيجة للأسلحة الحديثة التي تبيد تجمعات سكنية بكاملها في رمشة عين.؟ ولماذا لايساق هؤلاء المجرمون من قتلة الشعوب إلى محاكم دولية لتقتص منهم نتيجة لجرائمهم النكراء التي تشمئز منها حتى الوحوش الضارية لو نطقت.؟ وهل خول الإسلام لمن يطلق على نفسة (داعية إسلامي) أن يصدر فتاوى تكفر الشعوب وتتفاخر بجرائم الإبادة وتعتبرها من جوهر الإسلام والإسلام منها براء.؟
إن هذه الجرائم البربرية الوحشية ترفضها كل قوانين الأرض والسماء منذ أن خلق الله آدم وليومنا هذا يجب أن تدان بشدة من كل القوى الخيرة في هذه الأمة قبل إستفحال الطامة الكبرى .
أما السكوت عن مرتكبيها فهو بلاء عظيم ومخالفة لله وللرسول ص ولقيم الإسلام ولكل شرائع الأرض والسماء. وسيوصل هذه الأمة ألى أدنى درجات الضعف والانحلال والتخاذل.
وليتذكر الذين أنعم الله عليهم بالمال . ويرفضون الظلم على بني الإنسان من فبل وحوش التكفير الضالة كيف استقبل أولئك الأنصار الأوائل إخوتهم المهاجرين الذين استجاروا بهم. وكيف كانوا رحماء بهم وشاركوهم في الملبس والمأكل، ولم يبخلوا عليهم بشيئ. لأن كل واحد منهم كان يحمل بين جنبيه قلبا زكيا، وروحا طاهرة سباقة للخير والعطاء،ونفسا عالية نزيهة عن كل أطماع الدنيا. سداها ولحمتها الفداء والتضحية بالنفس والإيثار من أجل اخوانه في الدين والإنسانية. فآووهم وأكرموهم، وأحسنوا إليهم بدافع من عقيدتهم النيرة التي أمرتهم بذلك. وبفضل تعاليم نبيهم ومعلمهم العظيم محمد بن عبد الله ص سيد مكارم الأخلاق وباعثها فخاطبهم الله بقوله:
بسم الله الرحمن الرحيم:
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ.) الأنفال ﴿٧٤﴾.
لقد ظفر ذلك الرعيل الصالح برضا الله ورسوله حين آثروا إخوانهم في الدين على أنفسهم بعد أن تحملوا مالا تطيقه النفس البشرية، وأصروا على التمسك بدينهم وعقيدتهم رغم الظلم والجور والتشريد وسلب البيوت والأموال. وما أحوج الذين هُجروا من ديارهم بغير حق في هذا الزمن إلى شريحة الأغنياء التي منحها الله رزقا وفيرا الإقتداء بمثل تلك النفوس السخية الطيبة الكريمة لتسارع  إلى إغاثة هؤلاء الملهوفين الذين يعانون أشد المعاناة من ظلم الظالمين الذين بغوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد. حتى تفوز برضا الله ورسوله ص.؟ ومن واجب كل حكومة التخفيف من مأساة هؤلاء الذين هُجروا من ديارهم بغير حق. وعليها تقع المسؤولية الأخلاقية في كشف المفسدين الذين يتلاعبون  بأموال الفقراء وعليها أن ترفع شعار: (من أين لك هذا) وتطبقه على الصعيد العملي ، وتقدم كل مفسد وسارق للقضاء لينال جزاءه العادل مهما كان موقعه في الدولة لو كانت هذه الحكومات تدعي الإسلام حقا لاأن يردد أقطابها الشعارات الطنانة في الفضائيات دون أي تطبيق عملي.وهم يعلمون إن كل من يتستر على مفسد يكون شريكه في الجريمة وهذا الذي يأمريه الإسلام ونبي الإسلام ص .
وعلى علماء المسلمين الحقيقيين فضح قتلة الإنسان والإعلام  المروج لهم. ومن يمولهم بالمال والسلاح من أباطرة البترول المتسترين بالإسلام في سبيل إعلاء كلمة الحق  بعد أن خاطبهم الله بقوله تعالى: (وَقٍفُوهُم إنًهُمْ مسؤولُونْ .)


 

إن الأمة الإسلامية اليوم على مفترق طرق . وقد أصبح يضرب بها المثل في كثرة المفاسد والانحرافات والبذخ الذي فاق الخيال الذي يقوم به المتسلطون على رقاب أبنائها المحرومين من أبسط متطلبات الحياة. وفي أرض المسلمين الملايين من الجياع والمشردين والعاطلين عن العمل الذين تقطعت بهم السبل في أرض تنعم بالخيرات ويتحكم بها نفر من الحاكمين وعوائلهم الذين تلهج وسائل دعايتهم باسم الإسلام . وهم أشد الناس بعدا عنه بظلمهم وإجرامهم وبذخهم وفسادهم وسجونهم وحروبهم الدموية المدمرة.  
واليوم يحاول حفنة من المتعطشين للدم البشري الإستيلاء على مقدرات هذه الأمة بآسم (دولة الخلافة) بدعم من هؤلاء الطغاة  ويالها من خلافة دموية جاهلية ماأنزل الله بها من سلطان وماهي إلا( دولة خرافه ) متناقضة مع تعاليم الإسلام السمحة النبيلة تناقضا صارخا وعلى علماء الأمة الأحرار وكل الطلائع الخيرة والمثقفة واجب كشف زيف المزيفين والمرجفين الذين يحاولون بجرائمهم تشويه هذه العقيدة الإنسانية بالسبل المتاحة التي يمتلكونها قبل أن تنحدر أمة الحق والهدى إلى الهاوية .