شبث .. هذه الشخصية التي تحوز من غرابة الأطوار و تقلب المزاج الى حد العجب .
شبث كان مؤذنا لسجاح النبية و للمرء ان يتخيل كيف ابتدأ الفتى الناشئ حياته بدور هو للتهريج اقرب منه للواقع
مؤذنا لسجاح ...شريكاً لها في دعوتها المجنونة التي سرعان ما ذابت و تلاشت بمشيئة الله في حروب الردة .
و عاد شبث و ابوه ربعي مقاتلين في جيوش فتح العراق و اختفى عن مسرح التاريخ سنوات و سنوات حتى قفز ثانية الى قلب الأحداث قائدا من قواد الثورة على عثمان .. ثم اذا به من مفاوضي علي ع الذين دأب على إرسالهم الى معاوية إبان حرب صفين .
و كرة اخرى ينقلب خارجياً بعد واقعة التحكيم و بعدها يعود ليصبح ضمن أنصار أمير المؤمنين ع في أعقاب النهروان ثم يصبح من زعماء الشيعة في الكوفة في عهد معاوية و من الرافضين لشتم علي و المحتجين على ولاة الأمويين و اذا به ينقلب ثانية ليشهد ضد حجر بن عدي في من شهد .
و يعود ثانية ليكاتب الحسين ع مع حجار بن ابجر داعيا إياه الى الكوفة .
حتى اذا ما انقلب الموقف و قتل مسلم بن عقيل حول ركابه ثانية و مال الى طرف يزيد و واليه ابن زياد .
شخصية متقلبة غاية في الدوران و الالتفاف و إنسان قلق الموقف و الجنان . هذا ما جعله يعيش انفصاما في الهوية و تململا في القرار و ضياعاً ما بعده ضياع
دعاه ابن زياد ذات ليلة ليعقد له على جمع ممن سيبعث الى حرب الحسين ع فادعى المرض فهدده ابن زياد فقدم اليه شبث ليلا لكي لا يرى ابن زياد وجهه و يعرف انه خلي من العلة .
وقف شبث في الطف وقفة المستهزئ بافعال قومه من قتلة الحسين . يعيبهم بمرارة تجدها في طيات كلامه و بين جنبات حديثه فتشم من عباراته رائحة النقد اللاذع و كأن قول المتنبي انشأ له
اريك الرضا لو أخفت النفس خافيا
و ما انا عن نفسي و لا عنك راضيا
حين تصايح عسكر ابن سعد فرحين انهم قتلوا مسلم بن عوسجة قال شبث بن ربعي لمَن حوله : ثكلتكم اُمّهاتكم ! أيقتل مثل مسلم وتفرحون ! لَربَّ موقف له كريم في المسلمين رأيته يوم آذربيجان ، وقد قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين .
و حين أراد الشمر احراق خيام الحسين و الهجوم على نساء المخيم و اطفاله . استهزأ به شبث قائلا : أ مرعباً للنساء صرت يا شمر فاستحى و انصرف .
انتدبه عمر بن سعد لإنجاد عزرة بن قيس فأبى عليه شبث و تعذر بانه شيخ المصر و ان لدى ابن سعد من يؤدون هذه المهمة .
كان شبث كارهاً للقتال ممتلئاً بالمرارة يغلفها بالاستهزاء من رفاقه من عسكر ابن زياد فكان معهم كالشريك المخالف يعيب قومه و هو منهم و يسب أصحابه و هو فيهم
لقد كان مهرج القوم بجدارة و لقد لخص مأساة ذلك اليوم بجملة غنية بالمعاني على قلة كلماتها
" قاتلنا مع علي ابن ابي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين ، ثمّ عدونا على ولده وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سميّة الزانية ، ضلال يا لك من ضلال ! والله لا يعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً ، ولا يسدّدهم لرشد ."
ما أسوأ ان تعلم اين يكمن الحق فتميل ضده مع الباطل
ليس لك فيه الا دور مهرج بائس يسخر من نفسه و من باطله
ضلال .. يالك من ضلال !