الفلسفة المادية والأمويين
ونحن نعيش الذكرى المتجددة لثورة الحسين بن علي التي اتخذت من الحرية عنوانا اساسيا لها نستذكر ابياتا لعمر بن سعد احد المناوئين للحسين والموالي للحزب الأموي والذي لعب احد الادوار الرئيسة في واقعة الطف حيث يقول فيها :
فواللّه ما أدري وإني لحائر     أفكّر في أمري على خطرين
أأترك ملك الرّي والرّي منيتي      أم أرجع مأثوماً بقتل حسين
حسين ابن عمي والحوادث جمّة      لعمري ولي في الرّي قرة عين
وإنَّ إله العرش يغفر زلّتي        ولو كنت فيها أظلم الثقلين
ألا إنما الدنيا بخير معجّل      وماعاقل باع الوجود بدين
يقولون إن اللّه خالق جنة    ونار وتعذيب وغلّ يدين
فإن صدقوا فيما يقولون فإنني       أتوب إلى الرحمن من سنتين
وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة       وملك عظيم دائم الحجلين
تعكس هذه الابيات حالة الصراع العقلي والقلق النفسي لصاحبها وهو يقف حائراً بين امرين بالنسبة له هما بنفس الأهمية فقد عُرض عليه ان يفوز بمُلكٍ مادي بأن يحكم مدينة الري تلك المدينة التاريخية التي تقع حالية في ايران بالقرب من العاصمة طهران مقابل ان يقتل الحسين الذي يتمتع بمنزلة اجتماعية ومعنوية رفيعة بين افراد أمة بدأت تخطو خطواتها الاولى نحو صنع التاريخ بفضل جدّ هذا الشخص ووالده , كذلك تتجلّى حالة الشك في وجود الخالق ومسألة الثواب والعقاب المرتبطة بذلك الخالق وارتباط العقل والمنطق بالمادة وما دون ذلك فهو وهم وفي النهاية فكل ماحصل عليه هذا الشخص هو الخيبة .
ثم تترسخ حالة الشك بالمادة وعدم الأيمان بما وراء الطبيعة والأله بعد انتهاء مأساة الطف وأحضار رؤوس آل محمد الى قصر السلطة الفاسدة المتمثلة في يزيد ليفصح عن أعتقاده المادي في عقله واعتماده مقياسا للمنطق في الحياة في ابياته التي يقول فيها :
ليت أشياخي ببدر شهدوا     جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّوا واستهلوا فرحاً        ثم قالوا: يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم     وعدلناه ببدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا         خبر جاء ولا وحي نزل
لست من خندف إن لم أنتقم        من بني أحمد ما كان فعل
صورة اخرى تبين عدم الأعتراف بغير الماديات في تصرّف الوليد بن يزيد بن عبدالملك بن مروان حين تمزيقه للقران وهو يقول :
أتوعد كل جبار عنيــد    فها أنا ذاك جبـار عنيـد
فأذا لَقيت ربك يوم حشرٍ   فقل ياربُّ مزقني الوليد
ان الفلسفسة التي كانت شائعة في فترة ما قبل الاسلام وماقبل ظهور الفلسفسة الاسلامية هي الفلسفة الأغريقية التي ترتكز على السبب والتحقق والتي تجعل من المادة الفضاء الوحيد للعقل البشري الذي يمكن ان يتحرك خلاله وتتسم كذلك بطابع مادي تُرجع اصل العالم الى مبدأ حسي ملموس لايعترف بوجود الأله الرباني والتي من روادها سقراط وافلاطون وأرسطو وقد تأثر الأمويون كثيراً بهذه الفلسفة من خلال ترجمة العديد من كتب الفلسفة الاغريقية في عهد عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وخالد بن يزيد بن معاوية لكن تأثرهم لم ينعكس في ايجابيات هذه الفلسفة من خلال تطوير الدولة ومجتمعها بل في تقوية النزعة البدوية الطامحة للحكم وأنكار اي مبدأ روحي أو ألهي يمكن ان يزعزع حكمهم بدعوى العدالة ولهذا كان الحسين عالماً بتلك النزعة المادية في الفكر الأموي وأتباعه لذلك خاطبهم بقولته الشهيرة "ان لم يكن لكم دين فكونوا احراراً في دنياكم"