الحسين صرخة في وجه الاستبداد

 

أخرج المحدّث الألباني في كتابه سلسلة الأحاديث الصحيحة عن أم الفضل بنت الحارث قالت: دخلت يومًا إلى رسول الله (ص) فوضعت الحسين في حجره ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله (ص) تهريقان من الدموع، قالت: فقلت يا نبي الله! بأبي أنت وأمي، ما لك؟ قال (ص): «أتاني جبريل (ع) فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا». أي الحسين ـ فقلت: هذا؟! فقال: «نعم. وأتاني بتربة من تربته حمراء»] سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص484، حديث 821[.

قال الألباني وهو من أبرز المحدثين السلفيين في هذا العصر في تعقيبه على هذا الحديث: له شواهد عديدة تشهد لصحته، وذكر أحاديث صحيحة مشابهة عن أحمد بن حنبل، كما أورد هذا الحديث الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

هذا الحديث عيّنة لأحاديث كثيرة وردت في مصادر الحديث بطرق معتبرة، عند السنة والشيعة، عن عدد من الصحابة وأمهات المؤمنين بما يفيد الاطمئنان والقطع بمجمل مضمون هذه الأحاديث. التي تنقل عن رسول الله (ص) إخباره عما يحدث لابنه الحسين، وتبين تفجّع رسول الله (ص) لذلك الحدث قبل وقوعه بأكثر من خمسين عامًا. هذه الأحاديث تشكل ظاهرة تلفت النظر، ولا يصحّ أبدًا المرور عليها مرور الكرام، خاصة وأننا كمسلمين سنة وشيعة، نعتقد أن ما يصدر عن رسول الله (ص) من قول أو فعل لا يصدر اعتباطًا ولا عبثًا، يقول تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}، إذًا لا بُدّ وأن يكون لهذه الأحاديث هدف، ومن ذلك توجيه أنظار الأمة لأمر مُعيّن. لماذا هذا الاهتمام من قبل الله تعالى بحدث سيقع بعد خمسين عامًا لطفل صغير، ويخبر بذلك رسوله المصطفى (ص)؟ ولم يكن ذلك مرة وحدة، وهذا ما نستفيده من تعدّد صيغ الأحاديث التي تنقل قضية مقتل الحسين (ع)، بعض النصوص تقول أتاني جبرئيل، بعض النصوص كما في مسند أحمد بن حنبل، «دخل عليَّ ملك عظيم لم يدخل عليَّ قبل ذلك اليوم». ولماذا يبعث الله مع جبريل تربة حمراء من التربة التي يقتل عليها الحسين (ع)؟ هذا الاهتمام من قبل الله في إطلاع نبيّه على الموضوع وبهذه الطريقة، ثم الاهتمام من قبل رسول الله (ص) بأن يخبر الأمة بالأمر، ويحدث الصحابة وأمهات المؤمنين وأشخاصًا من أهل البيت (ع)، حتى أورد الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين] ج3، ص197، حديث 4826[ عن ابن عباس أنه قال: ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين بن علي يقتل بالطف.

 

اهتمام النبي بمقتل الحسين (ع)

هذا الاهتمام بهذا الموضوع يفيدنا بأن نستنتج ثلاثة أبعاد:

البعد الأول، يرتبط بمكانة الشخص، وهو الإمام الحسين (ع). هذه الأحاديث الكثيرة تدلّ على أن هذا الشخص ليس شخصًا عاديًّا، بل هو شخص يحظى بمكانة مميزة عند الله ورسوله، وبناءً عليه يجب أن يحظى بموقعية مميزة عند الأمة.

البعد الثاني، أهمية الحادثة واستحقاق الحدث للتألم والتفجع. صحيح أن هناك حروبًا ومعارك قد حدثت وأن كثيرين قتلوا ويقتلون في المعارك سواء كان قبل رسول الله أو بعده (ص)، لكن تخصيص هذا الحدث بالاهتمام من قبل الله ورسوله يدلّ على أن هذا الحدث في مستوى من الفجيعة بحيث يستحق إظهار التألم والحزن حتى قبل وقوعه. وحينما نظهر تفجعنا لما حصل في عاشوراء فإننا لا نبتدع في ذلك؛ لأن رسول الله (ص) قبلنا أظهر تفجعه قبل وقوع الحدث بنصف قرن من الزمن، وبعده الصحابة وأمهات المؤمنين كما ورد في المصادر المعتبرة.

البعد الثالث، وهو المهم، والذي يجب أن نركز عليه وخاصة في هذا العصر، أهمية القضية والدور الذي تحمله الحادثة. حادثة كربلاء ليست صراعًا بين قبيلتين أو شخصين على السلطة، كما كانوا يشيعون: يزيد سلطان والحسين سلطان وما لنا والدخول بين السلاطين. وليست حربًا بين طائفتين، فقد حدثت قبل تشكل المذاهب والطوائف، إنما هي قضية تحمل معنى ومدلولًا كبيرًا، تحمل الرفض للاستبداد السياسي الذي حصل في الأمة. هذا هو المضمون الأساس لواقعة عاشوراء.

الإمام الحسين (ع) رأى أن الاستبداد قد استكمل صورته في الأمة، وتجلّى بأبشع صوره ومظاهره، فلا بُدّ من رفض هذه الحالة حتى لا يصبح الاستبداد حالة مشروعة. لا بُدّ وأن شخصًا في مقام الحسين ومكانته يكون له موقف صارخ بارز يسمعه الجميع في رفض الاستبداد، ومصادرة قرار الأمة. وهذا ما تؤكّده واقعة كربلاء، شخص لا يمتلك كفاءة دينية، ولا إدارية، ولا سياسية، يطلق عليه يزيد ابن معاوية، ينزو على منصب قيادة الأمة ويصبح الخليفة والقائد لهذه الأمة العظيمة! هذا أمر ما كان يمكن السكوت عليه.

وهو لم يأتِ للحكم برضى الأمة، بل فرض عليها فرضًا، فكيف لها أن تقبل ذلك؟ ثورة الحسين (ع) إنما كانت إعلانًا لرفض مصادرة قرار الأمة.

ثم إن السياسة التي اعتمدها الحكم الأموي كانت سياسة جائرة مخالفة لنهج العدل والحرية وكرامة الإنسان، والحسين (ع) بموقفه يريد أن يعلن رفض السياسة الجائرة، ولذلك قال في خطبة له أمام الجيش الأموي: «أيها الناس! إنّ رسول الله (ص) قال: من رأى سلطانًا جائرًا، مستحلًّا لحرام الله، ناكثًا لعهد الله، مخالفًا لسنة رسول الله (ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيّر عليه فعل ولا قول، كان حقًّا على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله».

لأن ثورة الحسين (ع) تحمل هذا المدلول، لذلك اهتمّ رسول الله (ص) بإبرازها، والحديث عنها، ومن هنا جاء اهتمام شيعة أهل البيت (ع) بهذه الحادثة العظيمة.