العراق بين خطر التقسيم وخيار المرحلة الراهنة


اكتسبت الامة العربية والاسلامية صفة هويتها الوحدوية عبر التاريخ  بخصائص قبلية واخلاقية واسلامية تجلت بالموروثات  العربية الاصيلة ولكل امة كما هو معروف لها هوية تعرف بها وتحدد معالم شخصيتها الثقافية والسياسية والعقائدية، وامتنا الاسلامية هويتها الاسلام وهي تشمل المبادئ والقيم التي يدعو اليها الدين الحنيف وهي مبادئ تهدف الى تحقيق العدالة البشرية وتطبع شخصية الامة بطابعها  الوحدوي العريق ارضا وشعبا ودما لانها اصبحت جزءاً من شخصيتها الوجودية. بالعادات والتقاليد والمفاهيم والقيم الاسلامية
وقد تعرضت هوية البلدان الاسلامية الى اختراقات عنيفة من قبل قوى عديدة من ضمنها  التوغل المغولي و الاستعمار العالمي  الجديد بكل اشكاله االمتعددة وكادت تلك القوى ان تغير الكثير من معالم الهوية العربية والاسلامية، ومحاولات وخطط التقسيم التي مارسها واسسها الاستعمار والدوائر الصهيونية والقوى الامبريالية في تجزئة الوطن العربي وهدم ثقافته ولغته وعناصر قوة وحدته في استخدام اساليب التجزئة والتقسيم  وسياسات التعريب وتشويه القيم وسن القوانين التي من شأنها تغيير معالم الهوية الاسلامية وتحويل المجتمعات الى مجتمعات علمانية  متحررة
ونجحت بعض من تلك السياسات في بعض البلدان وأخفقت في اخرى بسبب مقاومة تلك الشعوب لمحاولات الاستعمار في تغيير الهوية الثقافية والاجتماعية والسياسية وحتى الدينية لديها وعلى اثر ذلك اندلعت الثورات العربية والاسلامية في سبيل استعادة الهوية الثقافية والعقائدية للامة.
ان سر اهتمام قوى الاستعمار العالمي بتغيير الهوية الدينية والثقافية للامة الاسلامية في انها اذا فقدت هويتها ستفقد كل مقدراتها وتكون طعماً سهلاً للاستعمار، لهذا هو يحاول ان يجعل منها دويلات صغيرة ضعيفة ومتناحرة مستخدما فكرة الخلاف الطائفية والاثنية والقومية للتفريق بين القوميات والمذاهب وتغذية الصراع لكي   يفرغها من محتواها حتى يسهل عليه فيما بعد الاستيلاء على مقدراتها. والسيطرة على شعوبها  كما حدثت في الكثير من الدول امثال ايرلندا والمانيا ولبنان واميركا  والسودان والشيشان  وغيرها من الدول ودخلت تلك الدول وشعوبها  ضحية الاقتتال الداخلي والصراعات الداخلية
كل الامم تتمسك بهويتها الثقافية والدينية لان الامر مرتبط بوجودها فلو فقدت تلك الهوية ستفقد وجودها وتكون عرضة للانهيار والتقسيم كما حصل بالنسبة الى حضارة الهنود الحمر الذين فقدوا حضارتهم ومقومات هويتهم الثقافية بعد ان استسلموا لقوى الاستعمار والهيمنة.
وكل امة يجب ان تتمسك بهويتها الثقافية والدينية وتدافع بشدة عن تلك الهوية ولاتسمح للآخرين التعدي عليها ولاتسمح حتى لافرادها الاهمال في الدفاع عن معالم تلك الهوية لذا هم يوظفون رجالا ينبهون الناس لحرمة شهر رمضان المبارك من عبث المشاكسين الذين لايشعرون بالانتماء لهذه الامة ولهويتها الدينية والثقافية.
لكننا اشد حاجة الى العلماء والعقلاء والمفكرين والمثقفين لكي يحفظوا الهوية الثقافية والسياسية للامة ولايسمحوا للاعداء بأن يتلاعبوا بمصيرها ويمزقوها بالشكل الذي نراه حيث اصبح المسلم عدو المسلم يرفع السلاح بوجهه ويبيح دمه
لدينا بلدان تتعرض للتدمير والتخريب نتيجة قتال المسلمين لبعضهم الآخر، وماكان هذا الامر سيحصل لو كانت الثقافة التي تعشعش في هذه البلدان سليمة ونقية، وليس هناك من شك ان هناك قوى خبيثة تعمل على التأجيج الطائفي وتموله لان هدفها هو تدمير البلدان الاسلامية.
ولابد ان يعرف الجميع بان الحروب التي تقع هذه الايام في بلداننا الاسلامية ليس فيها منتصر، لأن جميع المسلمين خاسرون، بلادهم تحرق، ابناءهم يقتلون، ثرواتهم تهدر على حروب عبثية، واصبح الجميع اداة بيد الاعداء لتدمير بلده.
وهؤلاء الذين يؤججون نار الطائفية في العراق وسوريا وغيرها من البلدان هم اشد سوءا من الذين يحملون السلاح، ولو كانت امتنا محصنة ثقافيا وفكرياً وسياسياً ماكان هؤلاء يتجرؤون في الظهور على العلن ويثير النعرات الطائفية ويتسببون بتدمير البلاد وهلاك العباد. واستباحة الاوطان وهتك الاعراض كما حصل في سوريا والعراق جراء اعمال اذناب الاحتلال ومرتزقتهم
بلادنا تتعرض الى ابشع هجوم ثقافي وسياسي وعسكري بغية تجزئة البلد على اساس طائفي وقومي  وان هذا التقسيم هو بداية للتقسيم الجغرافي. وسقوط البلد في دوامة الصراعات والتناحرات المستقبلية وعلى الجميع ان يفهم  ان المخاطر جسيمة وهذا ما يلاحظ اليوم من تكالب القوى وتدخلاتهم في قضية الموصل والتلويح بخطر التقسيم الداخلي ونسف مشروع الوحدة المجتمعية وضرب النسيج الوطني
الوحدة الوطنية خيار المواجهة
تعددت تعريفات مصطلح الوحدة في المنظور الفلسفي العام سواء من النظرة الاجتماعية او القبلية او السياسية والدينية ومنها اطر واجباتها وحقوقها ضمن التوجهات التعريفية لاشتراطات مفهوم الوحدة  ومنها وحدة  اتحاد الدول أو البلاد، والأفراد والجماعات بشتى افكارهم وعقائدهم ودياناتهم لتدخل في سائر أمور حياتهم الدينية ، الاجتماعية ،والاقتصادية، والسياسية ، وبموجب هذه الوحدة..
تعد الوحدة الوطنية بين  ابناء الوطن الواحد بكل انتماءاتهم القومية والدينية والعرقية  الركيزة الأساسية والمهمة  من ركائز  المجتمع العربي  الاسلامي واحدى استراتيجيات اهدافه العامة، ضمن التشريعات الالهية  والتي تجلت بالايات القرانية الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة والتي أكدت جليا على وحدة الصفوف وتراصها .وقوتها ونتائجها العملية الواقعية من خلق بيئة من المحبة والتأخي والسلام وقد اولى النبي عليه  وعلى اله افضل الصلاة والسلام اولوية خاصة جدا وجعلعا اولى مرتكزات العمل الاسلامي
فقد كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) بصدد بناء مجتمع جديد، يكون المثل الأعلى للصلاح والفلاح، قادراً على القيام بأعباء الدعوة إلى الله تعالى، ونصرة دينه، في أيّ ظرف من الظروف والأحوال.
كان ولابدّ من إيجاد روابط وثيقة تشدّ هذا المجتمع الجديد بعضه ببعض، وبناء عواطف راسخة، قائمة على أساس عقيدي، تمنع من الإهمال ومن الحيف على أيّ فرد من أفراد هذا المجتمع، بحيث يكون الكلّ مشمولين للرعاية التامّة، التي تجعلهم يعيشون الحبّ والحنان بأسمى وأجلّ معانيه.
وكانت تلك الرابطة الوثيقة هي: المؤاخاة، فآخى مرّة بين المهاجرين قبل الهجرة على الحقّ والمواساة حينما كان في مكّة المكرّمة، وأُخرى آخى بين المهاجرين والأنصار على الحقّ والمواساة بعد هجرته إلى المدينة المنوّرة.

 

فلذلك تعد روابط الوحدة عنصر مهم من عناصر النجاح بناء المجتمع بكل اشكاله وأساس رئيسي من أسس تطوره وتقدمه وخير دليلاً قاطعاً على تلاحم ابناء الشعب بكل الوان طيفه  إذ تظهر لنا الوحدة المتماسكة في نبذ كل اشكال الفرقة  والخلاف والتعصب  ومساندة المؤسسات والمرجعيات الدينية والوطنية المعتدلة في تثبيت دعائم  دورها الرسالي في المجتمع ،وان الصلة التراحمية المترابطة والالتزام بمفاهيم وحدة المجتمع في المحبة والتلاحم والتواصل بين كل شرائح المجتمع  قدجاءت  انطلاقا من الثوابت الاسلامية  والاخلاقية  في التمسك بثوابت الوحدة   الوطنية  والاسلامية على كل المستويات الداخلية والخارجية ولو حدث خلاف هذا لكان العراق وشعبه لا يزال يغرق في مستنقع الدم والصراع الطائفي بعد احداث الفتن الذي شهدها وخلفتها الصراعات السياسية في ظل اسوأ حدث تاريخي.تصدى له الشعب والمؤمنين الخيرين لايقاف ذلك التدهور والنزيف من جراء الاحتقان واعمال العنف المروعة
وتعد وحدة الشعب للمواطنة في تبني افراده الافكار الدينية  المعتدلة والقيم والمفردات الانسانية والاخلاقية  والايمان المطلق بمرجعيتنا الوطنية والمصيريةالعربية والاسلامية والمحافظة على تراثنا وموروثتانا العربية الاصيلة   ويجب على الجميع من ابناء الشعب العربي وخصوصا الشعب العراقي ان يتفق على ان هذه الوحدة المصيرية والروحية والفكرية في الدين والاقتصاد والاجتماع والتاريخ  وتحت راية ال الوطن للجميع  دون التمييز . وهذا ما يتميز به شعبنا العريق بأن كل افراده متمسكون بهذه الراية الوطنية الوحدوية بالرغم من كل الاحداث التي حدثت بعد الاحتلال الاميركي وما اخدثته من اضطرابات و في ظل اوضاع تفشي سلطة الفساد في الوقت الحالي وفي ظل الصراعات والتراكمات والازمات التي تعصف في الحياة السياسية وما واجهه من تحديات وظروف ارهاب وتهجير واغتصاب . لكن الشعب بصبره وايمانه  اليوم بعد ان ادرك حقيقة الوضع وخطورته وانفلاته  وما جناه من خيبات امل بساسة الفساد والمحاصصة .مؤمن  الشعب اليوم بضرورة عزل هؤلاء والتصدي للعملية السياسية الهشة  التي اثرت تاثيرا سلبا على النسيج المجتمعي في العراق من خلال نظامها السياسي المحاصصي والذي كان سببا في ضياع البلد وخرابه  وكان لابد للشعب من يقظة ظميرية  ليقوم هذا الشعب بدوره التاريخي  برسالة نشر المحبة والسلام في المجتمع ونبذ العنف والانشقاق والخلاف، ونشر لغة المحبة والاعتدال والتسامح والتكاتف بين افراد المجتمع كافة بعض النظر عن قومياتهم وانتماءاتهم الدينية والمذهبية ،وما كانت رسالة السماء والتي تعد اساس من مرتكزات العمل الايماني والوحدوي في البناء التكاملي للوحدة الدينية من حيث نستذكر قول الله تعالى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تفرقوا) لقد أمرنا ديننا الإسلامي بإزالة الفوارق ودعانا الى الوحدة والتكاتف والتعاضد وكان خير قدوة لنا  رسولنا محمد واله بيته الطاهرين هم خير قدوة لنا، كما أننا مطالبون بنشر لغة التسامح بيننا، وأن الله بعثنا مبشرين وليس منفرين. وان شعارنا الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. وان ننشر لغة الحوار بيننا كأفراد وجماعات. وان نشعر أبناءنا بأن الوطن هو وطن الجميع، لأن من يعيش على أرض هذا الوطن له الحق في المشاركة في بناء حضارته والمساهمة في التفاعل مع مجتمعه وخاصة أن من يعيش على أرض هذا الوطن يدين بالدين الإسلامي ولله الحمد، وان كل منا عليه واجبات وله حقوق.
وتعد مشاركة الفرد  في تطوير وطنه والمحافظة على استقراره وإنجازاته ومحبته لأفراده  ولعلمائه مقوماً هاماً من مقومات وحدتنا الوطنية، وتتجلى وطنية الفرد   من خلال حرصه على أمن وطنه الفكري والاقتصادي والاجتماعي والزمني ودوره الكبير في نشر المحبة بين أفراد وطنه ....
كما تعد حماية البناء الداخلي للوطن  ممن يحاولون هدمه أو إعاقته والمتسلقين على اكتاف الناس للوصول الى غاياتهم ومنافعهم الشخصية  واجب على كل فرد كشف هؤلاء ومحاربتهم وان هذا الواجب الاخلاقي والضروري ،ليس واجب القائد فحسب بل واجب كل فرد من افراد الوطن محاربته فالوطن  للجميع وحمايته والدفاع عن اهدافه ورسالته مسؤولية كل ابناء الشعب الشرفاء ،وهذا ما شهدناه في فترة الاحتجاجات وموجة التظاهرات الوحدوية الوطنية في وجه الفساد والمفسدين  والتي وقف بها الشعب بكل اطيافه ومكوناته صفا واحدا ...ومن متطلبات الفترة الحالية والقادمة وما تحدث من تغييرات سريعة على الخارطة السياسية الدولية  ونشوء التحالفات الدولية الجديدة وان الشعب الواعي ليس بمعزل عنها بل هو ضليع اليوم في المواجهة الحتمية المرتقبة كونه من اهم المرتكزات الوطنية المجهزة دينيا وتعبويا وثقافيا لمواجهة الحركة التكفيرية  والظلم  والطفيان والموجة الغاضبة التي تتحرك باتجاه الدين والوطن والمقدسات ولابد من ضرورة ادراك اهمية الظرف الراهن والتاكيد على اهمية اهمية المشروع الوطني في التمسك بثوابت الوحدة الوطنية  وتحقيق العدالة الاجتماعية ضمن مشروع الاصلاح الرائد ورص الصف الوطني لمواجهة خطر المرحلة المقبلة وان لا ننسى ان نكون على قدر المسؤولية الوطنية التاريخية والوطنية في تحمل اعباء المواجهة الحتمية في ضرورة الالتزام التام ب بالضوابط الاخلاقية والانسانية لرفع الجور والظلم عن بعضنا البعض والدعوة لكل الاخوة المهمشين والمغيبين  من ابناء التيار الوطني الشعبي ورفع الظلم عن بعضنا  ولكي نستثمر كل الطاقات البشرية ومواردها وتسخيرها لوحدة الصف  حتى تحقيق النصر المؤزر وتحقيق العدالة المجتمعية في ظل حكومة عادلة ومنصفة ينتجها الشعب بارادته