الشعائر الحسينية بين المنع والتهذيب |
الشعائر الحسينية؛ إحدى أهم ركائز حفظ الإسلام, وتمدد رسالته, والرابطة بين النهضة الحسينية ونهضة الإمام المهدي, لإقامة دولة العدل الإلهي, وتعد عنوان لمنهج الإمام الحسين "عليه السلام" الذي ضحى من أجله بكربلاء, فحدد القران الكريم منزلتها, وجعلها معياراً لتقوى القلوب, فالحديث عن الشعائر يعني الحديث عن هوية عاشوراء, وأهدافها ومضامينها. يعد الشيخ نصار بن الشيخ حمد بن ازيرج العبسي، من كبار علماء النجف الاشرف, وأحد مراجع الدين فيها, أول رجل استطاع أن يقيم مجلس تعزية في العراق, والظاهر اغتنم فرصة الصلح الذي عقد في عام 1821 بين داود باشا وحكومة إيران آنذاك, والذي توسط فيه الشيخ موسى كاشف الغطاء, فأخذ يقيم مجلس التعزية في داره, واقتدت فيه اسر النجف تدريجياً. بعدها وسع المؤمنون اقامتها ببقية المدن, كونها ظاهرة إيمانية جماهيرية, يرتقي المنبر فيما خطباء مختصين بالنعي يسمون (روزخونية), فيما برزت ظاهرة اللطم بين الرجال في مواكب, يستخدم المعزون الضرب بالحديد (الزنجيل) بدل الأيادي, ويشاركون بأيام محددة كمجموعات (دستات) في مسيرة الأربعينية بكربلاء, وعلى أثرها بدأت الحكومات بالعراق تضيق الخناق على تلك الطقوس, لأنها تلهب الحالة الثورية, وترفض التسلط وتقييد الحريات. يذكر من الإحداث الدالة على روح التحدي والممانعة ورفض الظلم؛ أهزوجة المرحوم وحيد عباس, عندما كان مرجع الطائفة الإمام محسن الحكيم يستقبل المعزين في الحرم الحسيني عام 1967: ((احنه أهل السماوة بني حچيم أحرار, احنه أول ما بدينه بطرد الاستعمار, سبع أيام انه بهل گبر زوار.. أتخيلك يبن الزهرة أتخيلك.. هذه القاصة البيه كنوز الدين)), مشيراً بذلك على الإمام الحكيم. حيث تلمس البُعد السياسي في كل شعيرة, لما في رسالة الإمام الحسين من إبعاد عبادية وسياسية واجتماعية, وفقاً لتصريحه عشية خروجه من مكة: "إني لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلا بَطَرًا, وَلا مُفْسِدًا وَلا ظالِمًا، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي, أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ, وَأَسيرَ بِسيرَةِ جَدّي وَأَبي عَلِيّ بْنِ أَبي طالِب", حدد بذلك أهداف وأسس نهضته. فالخروج كان لأربعة أسباب؛ طلب الإصلاح, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, والسير بسيرة جده وأبيه, فكل ما يكون من الشعائر, لابد أن يعامل وفقاً لهذه المحددات, إلا الجانب العبادي؛ ويدخل فيه البكاء واللطم, وبذل الطعام, إما إقامة مجالس ومواكب العزاء, فتعد وسائل إعلامية للتثقيف وتوعية وإرشاد المجتمع, بتقويم الأخلاق, ومعالجة السلوكيات المجتمعية, وخلق حالة الوحدة والتلاحم, والتقرب إلى الله تعالى. فالتأكيد على الشعائر, ورودها بالقران الكريم والروايات المعتبرة, كونها إحياء للسنن الإلهية, ودروس وعِبر غير قابلة للتهذيب في أصلها, كترقب المنتظرين لنهضة الإمام المنتظر, وترسيخ المبادئ الأصيلة في نفوس المؤمنين, واستكمال مسيرة الرسالة الحسينية, والاستعداد والصمود وتحلي بالصبر في مواجهة التحديات, |