أن تكون السبل للخروج من الأزمة الحالية غير متاحة أو غير مكتشفة حتى اللحظة فهذا لا يعني ان الحركة لتطويقها غير ممكنة. وتطويق الأزمات بحاجة إلى قدر عال من الحنكة السياسية والارادة الصادقة المقترنة بالعمل والحركة على الأرض.
ولعل الأولوية الآن هي لابطاء حدة التفاعل لهذه الأزمة إن لم يكن في المستطاع ايقافه تماما، وعليه فالخطوة الافتتاحية للحراك هي خلق منطقة عازلة لفصل المشتبكين من خلال رجوع كل الأطراف خطوة إلى الوراء (وذكرت هذا في مقال سابق).
وهنا نحن بحاجة الآن إلى طرف سياسي ضامن يدخل وبقوّة على خط الأزمة الرئيس الذي نستطيع تسميته بخط (بغداد – الرمادي).
ومن متابعة خيوط الأزمة في اليومين الأخيرين، وخصوصا بعد الجريمة النكراء التي تمثّلت في قتل الجنود الخمسة، تجد أن هناك حراكا سياسيا لافتا قام به الحكيم خلال الـ48 ساعة الماضية (بعيدا عن اتفاقي واختلافي مع الحكيم في مواقف أو ممارسات هنا وهناك) وهذا الحراك تمثّل في لقاءات مع المالكي ثم النجيفي ثم ليذهب ويلتقي كرار الخفاجي رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري.
هذا الحراك وإن ظهر لافتا ومهما إلا أنه لا يبدو مؤثرا حتى اللحظة، أو أن آثاره محدودة، وربما يكون بحاجة إلى مزيد من الجديّة.
نحن بحاجة الآن لطرف سياسي مؤثر شيعي ضامن أراه في أحسن سيناريوهاته يتألف من (الحكيم – الصدر) ليقوم هذا الطرف بالخطوات الآتية:
أولا: لقاء مباشر مع المالكي (وبحضور الجعفري) لأخذ ضمانات بضبط النفس وعدم القيام بأي تحرك عسكري من أي نوع يصب الزيت على نيران الأزمة، وعدم القيام بأي خطوة متسرعة كتلك التي اتخذت في الحويجة، والرجوع إلى الطرف الضامن قبل أي خطوة مهما كانت صغيرة (عندما تكون قريبا من الهاوية فأنت لا تعلم مقدار صلابة الأرض تحت قدميك وقد تكون أصغر خطوة هي خطوة الانزلاق).
ثانيا: الحوار المباشر مع النجيفي ومع الشخصيات الممثلة للتظاهرات في الأنبار بحضور كوبلر.
ثالثا: العمل على انضاج ورقة عمل بين بغداد والرمادي تتضمّن خطوات عملية لتنفيذ المطالب ووقف الاعتصامات وانسحاب المعتصمين والغاء المظاهر المسلحة على وفق جدول زمني محدد بإشراف الأمم المتحدة.
الأزمة الحالية هي محك حقيقي للقيادات المتاحة على الساحة المفتوحة على مصير مرعب للوطن والانسان ما يعني أن الوقت حان للقيادات لتنزل من أبراجها إلى الأرض.
البيانات ليست الطريقة المثلى للعمل السياسي عندما تكون الأزمة بهذه الحدة وهذا المستوى، واطلاق التصريحات والتحذيرات ليس هو المطلوب ولا ارسال الرسائل أو ايفاد المندوبين، أزمة بهذا الحجم وبهذه التداعيات المحتملة تتطلب معالجة وتدخلا من أعلى مستويات القرار.
ترى هل يسرّع الحكيم من ايقاعه، الهدوء ميزة في أوقات، ولكن السرعة والحسم هما الميزة في أوقات أخرى؟ هل يكمل ما بدا لنا على أنه خطوات على طريق الحل أم أنه ابراء ذمّة اعلامي أمام الجماهير؟ وهل سيتحرك الصدر باتجاه المشاركة في صنع الحل بعيدا عن الجفوة مع المالكي؟ والأهم هل سيتيح المالكي مساحة لهذه الحركة ووقتا لتنفيذ العمل؟