المثقف والمشكل الأجتماعي



المثقف مسئول منطقيا عن حالات الأنحراف الأجتماعي والفكري عندما لا يمارس دوره الوظيفي العضوي في تشخيص الخطأ، واقتراح سلسلة من الأفكار التداولية الساعية إلى منهجة وبسط الحلول الافتراضية للمشكلة الأجتماعية بصورتها الأكثر فدرة على التغيير والتحديث، ولكنه بالتأكيد ليس شرطيا ليطبق نظرياته بالطريقة البوليسية وتحت تهديد القوة، المثقف هو القوة الناعمة التي يمكنها أن تنجز التغيير وتقول إلى عمليات التحديث من خلال القدرة على القراءة وممارسة النقد والترقي فوق الحدث ومعطياته وأدواته، فهو ليس المسئول التنفيذي الأول عن أنجاز التغيير بل هي الدولة وعبر أجهزتها التنفيذية والقانونية عندما تمارس دورها كحامية للقيم الاجتماعية والانسانية والحضارية وحقوق الانسان كل الانسان.
الدولة الوطنية المدنية ذات المنهج المبني على حقيقة مفهوم المواطنة والمشاركة العامة والكاملة لكل القوى الأجتماعية في بناء وتنفيذ أليات التغيير هي المسئولة عما يتحرك ضمن أطاره الفرد المجتمع والمجتمع الفرد، فهي فوق المشاعر ولمنها تحترم وتقدي حق الفرد في الأهتمام بمشاعره الفردية والجماعية وممارسة ضمن حدود حقه فقط وليس التعدي فيها على حق الأخر، وأيضا لها أن تمارس التجرد في وظيفة أحترام المشاعر وموازنتها وليس الانحياز لصاحب المشاعر الأنانية والمفرطة في ذاتيتها والمختلف عليها أساسا، لأن هذا الأنحياز يخرج الدولة ووظيفتها من العمومية والتجرد وتحولها إلى أداة فئوية تماري مصالح فئة ضد أخرى وإن كانت مجرد تفضيل لا يؤذي أحد.
هنا على المثقف أن لا يكون سلبيا أو مترددا أو خائفا من السلطة ومتملقا لها عسى أن تخرج كلمة التغيير من غيره، هذا التخاذل سببه الوهم والنظر برؤية مجتزأة وغير واعية لدور الثقافة والمثقف في تحصين دور السلطة والإدارة الحاكمة مهما كانت التحديات التي تواجهه، المثقف الحقيقي و الذي يعري كل التجاوزات ويهتم بكل الإشكاليات التي يرى فيها مساسا لدور مؤسسات المجتمع والدولة والنظام بما فيها دور السلطة الحاكمة، وكلما كان صادقا وواعيا ومنتبها للخطر الأجتماعي قبل وقوعه وأستفحاله كان جديرا بالأحترام والتقدير والقدرة على أصلاح الخلل وتلافي أرتداداته الأجتماعية.
حينما تكون أجهزة الدولة ومؤسساتها تنحاز لفئة متسلطة مخادعة ومزيفة للحقيقة خوفا على وجودها وبقائها في موقع القرار الذليل المرتهن لإرادة غير الوطن ومصلحته الكلية، على المثقف ان يدين هذا الانحراف ويعلن بكل وضوح عن موقفه القوي والجاد والملتزم، لأن هذه السلطة ستتحول بعمومها الوظيفي والشخصي ورجالها ورموزها إلى عصابة مهرجين أقزام، لا يصلحون لإدارة حضيرة خنازير أو قن دجاج للتربية، دور المثقف سيتحول من مكتشف وناقد وباني رؤية إلى مقاتل من طراز خاص هدفه ليس فرض الرأي وتنفيذه بل فضح الزيف ومقاومة الأنحدار الذي تمتهنه سلطة الفئة في وطن الكل.
المسئول الأخر والذي يبرر له الجاهل والمتملق والخائف والانتهازي بداعي المعصومية هي مرجعيات الدين كافة وبدون تحديد خاص إلا الولاء للوطن ومصلحة المجتمع التي هي مدار الوظيفة الدينية وجوهر فكرة الدين أعني بها الخيرية المطلوبة دينيا، ومن يقول انها لا تملك حق السيطرة على مشاعر الناس أو تتحكم بهم فإنه يخادعك ويستحمرك وبالأخص عندما تخرج هذه الأقوال ممن يحسب على نطاق المثقفين أو ينتمي زيفا لهم، فلماذا تحارب هذه المرجعيات والمؤسسات الدينية وبقدرة غريبة على التأثير على السذج والعوام كل الأفكار المدنية والعلمانية، وتشجع على محاربة كل مظاهر الأحتفالات والافراح ومهرجان الالوان وغيرها من مشاعر السرور والبهجة عبر أدواتها القمعية وذيولها الأنتهازية، المرجعيات الدينية بكل أشكالها وألوانها مدانة بلا تردد عن كل قمع لحرية الإنسان في حدودها الطبيعية وما تفرضه من أنماط محددة من السلوكيات الحسية التي لم ينزل بها الله من سلطان، ومسئولة أمام الله وأمام رسوله وأمام الناس ومذنبة حد الغرق التام بالأثم الذي يجعلها ساقطة أخلاقيا وإنسانيا في ممارسة مهمتها كموجه ديني محترم من قبل أهل العقل والفهم والتدين الحق.
لقد كان دور المثقف في أوقات أقل تحررا من الأن وأقل قدرة على تقبل الأفكار أهون بكثير مما يواجهها اليوم من مقاومة غير مبررة وغير متوازنة من أطراف وقوى محسوبة على المقدس وتحت عناوين زائفة، تريد من خلال منهجها التحريضي مرة وسكوتها عن الأختلالات الفكرية والسلوكية أحيانا أخرى إلى أعادة الإنسان إلى واقع الحضيرة والقطيع المستسلم لأفكارها الكهنوتية، تريد للمجتمع أن يرتهن لإرادة سطوة الفكرة الدينية في تشددها المضطرد بعناوين سوداوية قاهرة لتحبسه وتأسره في دائرة مظلمة تتقاطع مع دور الدين كونه أداة تحرر وتنوير.