العدل الألهي..... والظلم البشري في تسخير النصوص الدينية المضادة...



تنتشر في ثقافتنا المجتمعية والدينية مجموعة من الأقوال التي تنسب إلى النبي ص على أنها أحاديث نبوية صحيحة تتعلق بمفهوم واحد هو إحباط العمل، وشطب ما يأت به العابد لمدو محددة بالنص كأنما الله لا يسجل على الإنسان إلا الخطايا، فمن ذلك ما يرويه مسلم في صحيحه (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) ح (2230)، ومعروف أن عدم قبول الصلاة هو عدم قبول كل شيء لما عرف أن الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها، هنا يتجلى الظلم الكهنوتي بحق الله والإنسان معا، الله تعالى يقول عن الكتاب الذي أحصى كل شيء { مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا}، فهل هذا النص المحكم يتعارض مع الحديث أم يتوافق مع منهج الأنتقاء الذي يروج له البعض.
عندما يقول الله {أن كل شيء أحصيناه في إمام مبين} وأن {ما لهذا الكتاب لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها} ويقول أيضا{ولا تزر وازرة وزر أخرى}، والكثير جدا من الآيات والنصوص المحكمة التي تؤيد وتبرهن على أن الله عادل وميزانه حساس للصغيرة والكبير وأنه لا يفرط بأي عمل يقدمه الإنسان لأنه مسئول عنه، نتأكد أن من دس مثل هذه المجموعة من الأحاديث المختلقة والروايات التي لا أساس لها ولا سند من القرآن، إنما أراد فقط توسيع دائرة الأقلي المحرم وتضيق دائرة المباح، ليفرض هو من عنده حدود جديدة ويحرم ما هو غير محرم أصلا ويخضع الحكم الديني لمشيئته الخاصة وبعنوان حديث نبوي.
التعارض بين فكرة عدم قبول الأعمال العبادية صغيرها وكبيرها من الإنسان المؤمن ولمدة محددة أو إحباط العمل السلوكي الذي يأتيه في هذه الفترة، إنما تتعارض بالكلية من حيث النص وأحكامه الثابتة من كون ان لا شيء لا يحسب عبثا أو لا يسجل أو ينسى ومع النصوص الروائية التي أوردنا مثالها في مقدمة المقال، كما أنها تتناقض مع قضية العدل الرباني بالصيغة التي يؤمن بها الجميع من أن الله لا يظلم عامل ولا ينسى ولا يحكم عبثا أو يعاقب بأكثر مما تستحق الفعلة أو القضية، لقد ورد مفهوم الإحباط قرآنيا في حدود حالة مهمة وأساسية وهو من المعقول المنطقي حينما يكفر الإنسان بالإيمان كله فلا يقبل منه العمل لسبب بسيط جدا، هو أن الذي يكفر بالإيمان أساسا لا يرتجي ولا يريد من الله أن يكون حاكمة العادل ورافضا له بالكلية. 
المسألة التي تطرحها النصوص الروائية والتي يسميها البعض أحاديث نبوية أو أخبارات عن الرسل والأنبياء انها تعتمد فكرة غير حقيقية عن الله، فكرة أن الرب حاضر دوما في ساحة الغضب والشدة والقهر وكأنه العدو اللدود للإنسان الذي تضيق به مساحات العفو والتسامح، وبالتالي فكل الاوصاف التي تتجلى به أوصاف تبعد الإنسان من محبته وتجعله حذرا ومستفزا ومقهورا دون أن يفهم لماذا الله غاضب هكذا دوما، هذه المنهجية في التعامل مع النصوص الدينية أسست فيما بعد إلى ما يسمى المازوشية الفكرية والسادية التي تمارسها العقول الكهنوتية ضد الإنسان، فتحوله من إنسان حر طبيعي إلى إنسان يعكس ثقافة النصوص الواصلة له، فيتطبع بأجوائها ويتخلق بذات النمط السلوكي الصارم والمعبس، وبالتالي لا نستغرب مثلا ظهور حالات التشدد الديني والتطرف في فهم الأفكار في حدها الأقصى واحيانا حتى بأقصى من أقصاها، ظهور التشدد المقابل وجو الكراهية والعبوس وكراهية الحياة وتفضيل عام ما بعد الموت على عالم الحضور الوجودي نتائج حتمية ومتوقعة من الإيمان بهذه النصوص دون فحص ولا نقد.
موضعي ليس في شرح أو تبيان العدل الألهي وليس في مجال حقيقي لبحث هذا الموضوع، ولكن ما يلفت النظر كثرة الأحاديث والروايات التي لو أمنا بها حقيقة وكما وردت علينا أن نكفر بنصوص القرآن كلها لأنها في واد أخر غير واد الروايات، عندما يقول النص المتداول أنه ((من يعمل كذا فإن الله يحبط عمله لأربعين يوما)) مثلا، هل من الممكن في هذه الحالة أن أصدق ان هذا الإنسان والذي قد يكون حسن النية وبسيط في تعاملاته مع الحقائق الدينية وهو مخلص في عبادته وصادق مع الله في إيمانه، سيكون ضحية لغضب رب لا يفهم سيكولوجية وطبيعة من خلق وصور وابدع، وكم هذا الخالق المتدبر ظالم وغير متمتع بأبسط حدود التسامح والتفهم لموقف إنسان قد يعذره إنسان مثله ولا يعذره الرحمن الرحيم.
إن المراجعة النقدية لألاف الروايات والنصوص التي وصلت إلينا من عناوين تاريخية على أنها أحاديث نبوية، أو روايات رويت عن أنبياء الله ورسله وهي تشير بعين التشكيك برحمة الله وتسامحه ومحبته، سوف تكشف وتبين لنا وعلى وجه الدقة حقيقتين مهمتين الأولى والأهم، هو نجاح الكهنوتي المحرف والمزور والمبتدع لهذه الصور عن الله على أنه العدو الأول لله والإنسان، والحقيقة الثانية أن التراكم التاريخي الذي خلق مذاهب وجماعات وأفكار سوداوية وقهرية تحارب روح المحبة والحرية والإيمان المبني على حقيقة الحب المتبادل بين الله والبشر، هي نفسها الجهات التي حاربت وقتلت ومثلت بأنبياء الله ورسله، وهم نفسهم الشجرة الخبيثة التي ليس لها قرار لأنها طافية على الوجه دائما مثل الطفيليات التي تعتاش على حياة الأخرين وتمتص كل خيراتهم وتساعد على هلاكهم بسرعة.