حكايات .. لم ترو كما ينبغي ( ٣ ) ( زهير بن القين ) مؤمن آل فرعون |
يشدك دوماً لحديث الطف انه حديث ملئ بالحياة ينبض بالأحاسيس و ان لكل شخص من شخوصه قصة تستحق الوقوف و التأمل .. و تستدعيك مرغما او متلهفا ان تعيشها و تحس بمشاعر صاحبها .. تضع نفسك مكانه وتتخيل وقع الأحداث عليه . ان الدراما في شخصيات الطف .. دراما ذات وهج خاص .. محيرة و مليئة بما يخالف الرياضيات و منطق حساب الأشياء . خصوصا اذا كان هذا المنطق لا يدرك انه يتعامل مع بشر من لحم و دم . زهير بن القين ذلك الرجل البجلي الشريف في قومه و الذي لم يعرف عنه اي تشيع لأهل البيت في سابق حياته بل كان يعد من وجوه العثمانية و هو تعبير شاع في توصيف من كان مناوئا للثوار على عثمان بن عفان يرى غير رأيهم . و لعل أوجز ما يدل على سيرة زهير قبل الطف هو ما خاطبه به عزرة بن قيس المجرم في كربلاء حين قال زهير و من حسن حظه و قدره ان الله جعل طريق عودته الى الكوفة و طريق الحسين ع واحداً . و كان زهير و معه بعض من عشيرته يتجنبون ان يجمعهم و الحسين ع مكان واحد او ان ينزلوا ذات الماء في الطريق . حتى شاءت المقادير التي لا بد منها ان يجتمع الركبان في موضع يقال له زرود يصف احد الشهود الامر قائلا أَرَاد زهير التملص من الذهاب و لكن زوجته العظيمة ( دلهم )قالت له ما تقوله الحرة المؤمنة لزوجها : ان عاطفة زهير للرسول ص صادقة ايما صدق و لولاها ما تجاوز عقده و آرائه . ان حب زهير للرسول ص واضح في كل عباراته بعد ذلك " أما والله ما كتبت إليه كتابا قط ، ولا أرسلت إليه رسولا قط ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلما رأيته ذكرت به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومكانه منه ، وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم : فرأيت أن أنصره ، وأن أكون في حزبه ، وأن أجعل نفسي دون نفسه ، حفظا لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله ." لقد كان زهير محبا مخلصا لرسول الله ص رغم انه لم يره و لم يحظ بلقياه أبداً لكنه كان يعيش معه ليل نهار في قلبه النقي و وجدانه الصافي . انظر اليه و هو يخاطب معسكر القوم و يرجو منهم ان يخلوا سبيل اهل بيت رسول الله و كان اخر حديثه الى الحسين ع ارجوزته التي قال فيها ما يكشف عن أمنيته : زهير بن القين اختصر على نفسه لغة القيل و القال و طرح كل ما بين يديه من اهواء رغبة لامر واحد قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ عندما خطب زهير في قومه يوم عاشوراء جزاه الحسين ع خيرا و أرسل له من يقول له : فانصرف راجعا الى المخيّم آيسا من قومه ان يفهموا الدين كما فهمه هو و ان يحبوا رسول الله ص كما احبه هو لا أشك أبدا ان رسول الله ص سيمن على زهير بعناقه كما يعتنق الوالد ولده يوم لا ينفع مال و لا بنون و اعتقد ان هذا هو غاية امنيات زهير رضوان الله عليه . |