ان ملحمة الطف صورة مفعمة بكل تدرجات الألوان التي تحملها الحياة .. لم تكن لوحة عادية يتقاسمها ببساطة الأبيض و الأسود ... الناصع و القاتم او المشرق و المظلم ..
و كيف تكون كذاك و قد كانت ميزتها ..كل ميزتها ان شخوصها بشر بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
بشر لبعضهم لحظات ضعفه و للاخر لحظات حيرته و فيهم من كان ثابت الجنان لدرجة العظمة و منهم من كان دون ذلك
و ليس في هذا عيب بل الخير كل الخير فيه .
انها تعطيك الأمل في صحوة متأخرة تجب ما قبلها و ترسم لك طريق الله في كل لحظة ما دام امر الله لم يقض بعد .
اجل لم يكن اصحاب الحسين ع سواء في الوعي و المشاعر و الإيمان و لكنهم متساوون في المصير الذي اختاروه لأنفسهم فمنهم من امتطى فرسه في ركب الفتح مُذ شعشع نوره و منهم من لحق بالفاتحين قبل انتهاء العذر.
المتصفح لسيرة الاصحاب لن يرى حراً رياحيا واحدا بل سيرى احرارا و احرار .
هل تعلمون ان جمعاً من الاصحاب حول ركابه الى مخيم الحسين في ايام الهدنة .. اي قبل عاشوراء بساعات ، و ان منهم من كان في جيش الأعداء الى اخر لحظة قبل القتال
بل ان فيهم من حاسب نفسه و حاورها مرارا و هو يقرر الى اي الصوبين يميل .
انها الانسانية بكل دوافعها و مخاوفها و حضورها و قلقها و لحظاتها ارتفاعاً و هبوطاً
و لا ابالغ اذا قلت ان ما شدني لملحمة الطف هو هذا الذي قلت من صبغة إنسانية تصبغ وجه المأساة.
لقد وقفت طويلا امام سعد و ابي الحتوف ابني الحرث و أثارتني حكايتهما !
اخوان اثنان من المحكمة ( اي الخوارج ) خرجا مع ابن سعد يريدان قتال الحسين عليه السلام و يطلبانه .
بدأت المعركة و جرت الحملة الاولى فسقط من سقط من قتلى المجرمين و ارتفع من ارتفع من شهداء الطاهرين و سعد و ابو الحتوف على حالهما في جيش يزيد .
كثر القتلى في اصحاب الحسين ع و عندها
ضرب الحسين (عليه السلام) يده على لحيته وجعل يقول : « اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً ، واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم.
أما والله لا اجيبنهم إلى شيء مما يريدون حتى ألقى الله تعالى وأنا مخضب بدمي ».
ثم اتبعها بنداءه الذي يلهب الصدر
أما من مغيثٍ يغيثنا لوجه الله ، أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله
و هنا اختلفت كل الموازين في قلبي الأخوين بل قل اعتدلت !
مالا بسيفيهما الى جانب ابي عبدالله عليه السلام و جعلا يقاتلان أعداء الله و يدافعان عن حرم رسول الله حتى استشهدا سوية .
ما هذا !!
اي نور سطع في قلبيهما ؟!
كيف تزحزحا من النار و دخلا الجنة في ثوانٍ معدودات .
لقد لامس نداء الحسين قلبين لا شك أنهما طاهرين و لولا ذاك ما اهتزت جوارحهما و لا ربت مشاعرهما فانبتت كل فعل بهيج .
أ لم اقل لكم في الطف حكايات اعظم بكثير مما نتصور .
حكايات تعلمنا ان لله طرقا لا تسد و للفوز أبواب لا تعد اذا ما لامس شغاف قلوبنا نداء الله