بعد أن كان الصحفيون في الماضي وما زالوا يواجهون أثناء تأدية واجبهم المهني، الأجهزة البوليسية القمعية التابعة للحكومات وأحيانا خلايا المنظمات السرية الإرهابية. فإن حدثين جديدين تصدرا المشهد الصحفي سيما في العراق ومصر، وتونس كذلك، حين أصبح الصحفيون وجها لوجه مع جماعات وزمر مدنية مدججة بأشكال من الأسلحة وعلى وجه الخصوص بالسكاكين، موالية لأحزاب السلطة أو المتنفذة في الشارع. ففي العراق مثلا تعرضت الصحف: الدستور والبرلمان والمستقبل والناس يوم 1/4/2013 الى هجمات نسبت الى (البعثي الضال المضل) محمود الصرخي حسب وصف بعضهم له والذي شوهد وهو يقود مجموعة تتألف من (50) شخصا يحملون أدوات جارحة وهاجم في ساعات متقاربة مقرات تلك الصحف واعتدوا على العاملين فيها وعبثوا بمحتوياتها فتحطيمها، وتم نقل الجرحى الى المستشفيات ولقد حمل مدير مرصد الحريات الصحفية زياد العجيلي الأجهزة الأمنية العراقية مسؤولية ذلك، وحجته في ذلك قرب مقر إحدى تلك الصحف من مقر أمني وعدم تحرك الأجهزة الأمنية لمعاقبة المعتدين. مؤيداللامي نقيب الصحفيين العراقيين شجب الحادث ونادى بإجراء تحقيق فوري فيه وهذا ما دعا إليه أيضا الاتحاد الدولي للصحفيين. أما في مصر فقد فضح صحفيون مصريون اعتقال زملاء لهم على يد ما سموه بشباب الإخوان يوم 17/3/2013، وبعد (8) أيام على حادث الاعتقال المشار إليه، هاجم عشرات من الإسلاميين من الموالين للإخوان المسلمين والسلفيين محطات تلفزيونية في مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة يوم 25/3/2013 وقاموا بالاعتداء على الإعلاميين والصحفيين فيها، دع جانبا ما أثارته قضية الصحفي والإعلامي الساخر باسم يوسف جراء اعتقاله يوم 31/3/2013 بأمر من النائب المصري العام الذي قضى بـ (ضبط الإعلامي الساخر باسم يوسف) وتحت ضغط داخلي ودولي أفرج عنه. بقي أن نعلم ان الصحفي باسم يواجه عددا من التهم وهي: (إهانة الرئيس محمد مرسي وازدراء الإسلام والخيانة العظمى!!). إن ما جرى لباسم يوسف إضافة للهجمات التي طالت الصحفيين المصريين، كانت له تداعيات مدوية على المستويين الداخلي والخارجي. جبهة الإنقاذ المصرية أدانت ما سمتها بهجمة الإخوان على الصحافيين والإعلاميين، يذكر ان إحدى الهجمات نفذت أمام مقر نقابة الصحفيين المصريين في القاهرة. وكان (البيت الأبيض) في واشنطن سباقا ومن خلال الناطقة باسمه (فيكتوريا نولاند) الى إدانة اعتقال باسم يوسف، واتهمت نولاند الحكومة المصرية بالعمل على (خنق حرية التعبير). من خلال قراءتي للمشهد الصحفي في كل من بغداد والقاهرة في الأسابيع الماضية استنتجت الآتي: 1- ان الجماعات المدنية الموالية للنظام القائم في البلدين العراق ومصر دخلت على خط محاربة الأسرة الصحفية وبمباركة من الحكام، وفي كلتا الحالتين العراقية والمصرية، يتبين مدى تراجع حكم القانون في هذين البلدين. 2- ان الصحفيين والإعلاميين الآن في مقدمة المقاومين للأحزاب الإسلامية الحاكمة سواء أكانت سنية أو شيعية ويأتي التصدي بحكم العمل المهني للصحفي الذي يحتم عليه الدخول في المواجهات، ولأن طبيعة العمل الصحفي والإعلامي في الكشف عن الحقائق الضارة بالأنظمة، تضع الصحفي في الخط الأمامي للمواجهة، وليس نزعة الحرية المتأصلة في الصحفي كما يعتقد بعضهم خطأ. 3- لم يعد الصحفي والإعلامي وحده يتعرض الى ممارسات قمعية تقليدية كالسجن والاعتقال والاختطاف والقتل بل ان صحفهم ومؤسساتهم بدورها معرضة الى التخريب والاعتداءات. 4- إن ازدراء الدين الإسلامي وإهانة الرؤساء وممارسة المنكرات، صارت من التهم الجاهزة لملاحقة الصحفيين والإعلاميين، فباسم يوسف اتهم بازدراء الإسلام، وفي تونس، اقتحمت الشرطة التونسية نادي الصحافة وحجزت محتوياته بحجة ان النادي (حانة)! لتعاطي الخمور، وانه غير مرخص، كل ذلك بهدف النيل من سمعة الصحفيين وإثارة المشاعر الدينية ضدهم، علما ان مؤسسات صحفية كانت قد واجهت اعتداءات من قبل جماعات مدنية موالية للنظام القائم هناك. وتتسع دائرة تهمة إهانة الرؤساء لتطال إهانة الأجهزة الأمنية أيضا، ففي السودان، استدعت السلطات الأمنية مدير مكتب الجزيرة في العاصمة الخرطوم (المسلمين الكباشي) وأجرت معه تحقيقا لمدة (5) ساعات وذلك بتهمة الإساءة الى رجال الأمن وذلك في يوم 3/4/2013 وأسفر التحقيق معه عن صدور أمر بوليسي غريب من نوعه، نص على مطالبة الكباشيبعدم السفر داخل السودان وخارجها إلا بعد الحصول على إذن وعلى أن يترك عمله الصحفي (لأنه أهان رجال الأمن)!، وعلى ذكر ما تعرض له مدير مكتب قناة الجزيرة في العاصمة السودانية من مضايقات، لا يغيب عن البال بأن (الجزيرة TV) تليها العربية TV، ما زالتا الأكثر استهدافا من قبل السلطات في الدول العربية، وثمة أخبار عن احتمال منع (الجزيرة TV مباشر مصر) من العمل في مصر. ونعود الى السودان لنقول ان ليس مدير مكتب الجزيرة TV وحده كان المستهدف في الأيام الماضية، بل ان الاستهداف طال صحفيا سودانيا آخر ومن الصحفيين المعروفين وهو النور أحمد النور رئيس تحرير صحيفة (الصحافة) السودانية الواسع الانتشار. فضلا عن الجديد في اضطهاد الصحفيين والصحافة في الدول العربية والذي أشرنا إليه، فإن الاضطهادات التقليدية ما برحت سارية، فعلى سبيل المثال، قتل في شهر آذار الماضي وحده (15) صحفيا في سوريا ليصل العدد الى (153) قتيلا منذ بداية الأزمة في هذا البلد يوم 15/3/2011 وفي المواجهات التي وقعت بين المسلمين والأقباط في الاسبوع الأول من نيسان 2013 ذكر أنه كان من بين قتلى تلك المواجهات صحفي لم يتم تحديد جنسيته. وفي الصومال قتل مجهولون صحفية صومالية وذلك في يوم 25/3/2013. أما الحالات التقليدية الأخرى كالاعتداء على الصحفيين وما شابه، فقد سجلت حوادث عديدة منها، وهذا على سبيل المثال أيضا، اعتقال الأجهزة الأمنية في اليمن الصحفي اليمني عبدالإله حيدر الذي تعرض الى اعتداء شنيع داخل زنزانته الانفرادية في سجن الأمن السياسي يوم 23/3/2013 في العاصمة اليمنية وفي حينه استنكرت نقابة الصحفيين اليمنية حادث الاعتداء عليه. وفي العراق استنكرت نقابة الصحفيين العراقيين بدورها إلقاء السلطات العراقية القبض على الصحفي أياد التميمي يوم 23/3/2013. إن نقابات الصحفيين في الدول العربية حريصة على مصالح الصحفيين، كما يبدو من الأمثلة التي أوردتها، ولم يسجل أي انحياز لها للسلطات. اختطاف الصحفيين أيضا يحصل بين حين وحين، ففي 6/4/2013 أكدت الحكومة الإيطالية اختطاف (4) صحفيين إيطاليين في شمال سوريا. ان وضع الصحفيين في سوريا كما تبين لنا، هو الأكثر سوءا الى درجة ان رجل أعمال سوري في الكويت خصص مكافأة مالية يوم 13/3/2013 لكل من يعتقل صحفيا أو إعلاميا من مراسلي: الجزيرة TV والعربية TV في سوريا، عقب ذلك مباشرة سارع وزير الإعلام الكويتي وأدان استهداف الإعلاميين، فيما طالبت نقابة الصحفيين الكويتية الحكومة الكويتية باعتقال رجل الأعمال السوري، وفي العراق ما زالت العراقيل توضع أمام الصحفيين للحيلولة دون أداء واجبهم المهني في تغطية وقائع الاعتصامات والتظاهرات السنية المناوئة للحكومة العراقية. ففي مدينة الموصل مثلا تم منع كادر (بغداد TV) الإعلامي من تغطية وقائع تظاهرات ساحة الأحرار في الموصل واعتقال صحفيين يحملان آلات تصوير وذلك في يوم 23/3/2013.
|