حسناء القصائد

كنّا‭ ‬قد‭ ‬أشرنا‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬مقالٍ‭ ‬سابق‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬قصيدة‭ ‬الشاعر‭ ‬البصري‭ ‬حسين‭ ‬أحمد‭ ‬الأسدي‭ ‬،‭ ‬كانت‭ ‬تستحق‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬مسابقة‭ ‬المكتبة‭ ‬الأدبية‭ ‬،‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬يعتقد‭ ‬القارىء‭ ‬إننا‭ ‬نطلق‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬عواهنه‭ ‬وبدون‭ ‬براهين‭ ‬،‭ ‬نضع‭ ‬أمام‭ ‬أنظاركم‭ ‬قصيدة‭ ‬هذا‭ ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬نسمع‭ ‬بإسمه‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬،‭ ‬ويسعدنا‭ ‬أن‭ ‬تحتل‭  ‬قصيدة‮»‬‭ ‬آخر‭ ‬ماقاله‭ ‬الشهيد‭ ‬مصطفى‭ ‬العذاري‭ ‬‮«‬‭ ‬زاويتنا‭ ‬الإسبوعية‭ ‬،‭ ‬لزخم‭ ‬صورها‭ ‬الشعرية‭ ‬المدهشة‭ ‬والمبتكرة‭ ‬وخطابها‭ ‬الشعري‭ ‬الموجوع‭ ‬برهافته‭ ‬،‭ ‬والتي‭ ‬تفاجىء‭ ‬القارىء‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يتوقعهُ‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الشاعر‭ ‬نجح‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬بتوظيف‭ ‬ماأحاط‭ ‬بالشهيد‭ ‬مصطفى‭ ‬وإستثمره‭ ‬بطريقة‭ ‬شعرية‭ ‬لافتة‭ ‬،‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬القصيدة‭ ‬الأصيلة‭ ‬لايمكن‭ ‬تشويه‭ ‬شخصيتها‭ ‬الشعرية‭ ‬مهما‭ ‬حاولت‭ ‬الأقلام‭ ‬العابثة‭ ‬؛‭ ‬ولن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬خطابها‭ ‬الذي‭ ‬ولدِتْ‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬قصيدة‭ ‬الأسدي‭ ‬الذي‭ ‬عرفنا‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬؛‭ ‬أنه‭ ‬يزاول‭ ‬مهنة‭ ‬الطب‭ ‬أيضاً‭ ‬؛‭ ‬فهي‭ ‬مكتوبة‭ ‬لمصطفى‭ ‬العذاري‭ ‬ولايمكن‭ ‬تكون‭ ‬لشهيد‭ ‬آخر‭ ‬؛‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الصدق‭ ‬الشعري‭ ‬وخصوصية‭ ‬الشاعر‭ ‬الحقيقي‭ ‬؛‭ ‬بخلاف‭ ‬قصائد‭ ‬عمودية‭ ‬جمّة‭ ‬يمكن‭ ‬تحوير‭ ‬بعض‭ ‬مقاطعها‭ ‬بيسر‭ ‬لتصبح‭ ‬متوافقة‭ ‬مع‭ ‬مناسبة‭ ‬أخرى‭ ‬؛‭ ‬ولم‭ ‬يلتفت‭ ‬الكثير‭ ‬لمغامرة‭ ‬الشاعر‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬مخاطرة‭ ‬؛‭ ‬حين‭ ‬كسر‭ ‬حاجزاً‭ ‬دينياً‭ ‬لا‭ ‬نجرؤ‭ ‬الإقتراب‭ ‬منه‭ ‬؛‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬معتقدنا‭ ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ ‬‮«‬‭ ‬ص‭ ‬‮«‬‭ ‬وحده‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬قاب‭ ‬قوسين‭ ‬وأدنى‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬وليس‭ ‬غير‭ ‬الأنبياء‭ ‬وجبريل‭ ‬من‭ ‬كلّم‭ ‬الله‭ ‬؛‭ ‬وهذا‭ ‬الإعتقاد‭ ‬لا‭ ‬يتزعزع‭ ‬في‭ ‬ضمائرنا‭ ‬؛‭ ‬لكن‭ ‬الشاعر‭ ‬بعذوبة‭ ‬مقدّسة‭ ‬فاجأنا‭ ‬بصوت‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬مرحّبا‭ ‬بالشهيد‭ ‬مصطفى‭ ‬وبلهجة‭ ‬عراقية‭ ‬دارجة‭ ‬،‭ ‬حين‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬قصيدته‭ : ‬حتى‭ ‬سمعتُ‭ ‬الله‭ ‬يقول‭ : ‬ياهلهْ‭ . ‬لقد‭ ‬إسترعى‭ ‬إنتباهنا‭ ‬في‭ ‬صفحة‭ ‬المكتبة‭ ‬الأدبية‭ ‬المختصة‭ ‬تعليقاً‭ ‬أكاديميا‭ ‬ًكتبهُ‭ ‬الأخ‭ ‬أمجد‭ ‬الخفاجي‭ ‬وهو‭ ‬أستاذ‭ ‬مختص‭ ‬بالنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬؛‭ ‬ولضيق‭ ‬مساحة‭ ‬المقال‭ ‬نأخذ‭ ‬منه‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ : ‬كنت‭ ‬أحسب‭ ‬أن‭ ‬معيار‭ ‬اللجنة‭ ‬الصورة‭ ‬الشعرية‭ ‬بدرجة‭ ‬أساسية‭ ‬،‭ ‬قياساً‭ ‬على‭ ‬قصيدة‭ ‬ياس‭ ‬السعيدي‭ ‬،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك‭! ‬فرغت‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬سماع‭ ‬القصائد‭ ‬الفائزة‭ ‬وكان‭ ‬ختامها‭ ‬هذه‭ ‬السبيكة‭ ‬الرائعة‭ ‬،‭ ‬‮«‬‭ ‬يعني‭ ‬قصيدة‭ ‬الشاعر‭ ‬البصري‭ ‬‮«‬‭ ‬يا‭ ‬سادة‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬مزحة‭ ‬أو‭ ‬ماذا‭ ‬بالله‭ ‬عليكم‭ ‬؟؟‭ ‬أمامي‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الفضيحة‭ ‬الأدبية،‭ ‬بل‭ ‬فضيحة‭ ‬متكاملة‭ ‬الأركان‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس‭ ‬تتحملها‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬اللجنة‭ ‬أولا،‭ ‬و‭ ‬ثانيا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إخلاء‭ ‬الجهة‭ ‬المنظمة‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬،‭ ‬فهي‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬لم‭ ‬توفق‭ ‬أبدا‭ ‬باختيارها‭ ‬لأعضاء‭ ‬هذه‭ ‬اللجنة‭ ‬،‭ ‬آسف‭ ‬ولكن‭ ‬الحق‭ ‬أصرح‭ ‬وأوضح‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يطمطم‭ ‬بمجاملة‭ ‬أو‭ ‬تشجيع‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬له‭. ‬فجاءت‭ ‬قصيدة‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬لا‭ ‬تستحقها‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬تعد‭ ‬إجحافاً‭ ‬بحقها‭ ‬وبحق‭ ‬شاعرها‭ ‬،‭ ‬وثالثا‭ ‬ثمة‭ ‬نصوص‭ ‬خسرت‭ ‬وخسارتها‭ ‬سر‭ ‬مستغلق‭ ‬وأحجية‭ ‬رهيبة‭ ‬لا‭ ‬أفهمها‭ ‬،‭ ‬لعل‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬يعايش‭ ‬ملابسات‭ ‬الوضع‭ ‬الثقافي‭ ‬ومشهديته‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬تُخفي‭ ‬وراءها‭ ‬ما‭ ‬تخفي‭ ‬فيخبرنا‭ ‬بما‭ ‬جرى‭ ‬ويجري‭.‬

آخر‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الشهيد‭ ‬مصطفى‭ ‬العذاري

لي‭ ‬في‭ ‬صحاريهم‭ ‬تمرد‭ ‬سنبلهْ‭ ‬

ونبوّة‭ ‬فتحت‭ ‬عيون‭ ‬الأسئلهْ‭ ‬

ووقفت‭ ‬مئذنة‭ ‬جراحاتي‭ ‬خيوط‭ ‬الفجر

‭ ‬أوقظهن‭ ‬حتى‭ ‬أغزلهْ

‭ ‬وحدي‭ ‬وتلك‭ ‬الريح‭ ‬تعلم‭ ‬أنني

‭ ‬غصن‭ ‬يراها‭ ‬بالهزيمة‭ ‬مثقلهْ

‭ ‬أبتي‭ ‬رجوت‭ ‬بأن‭ ‬أرى‭ ‬في‭ ‬أرضهم‭ ‬

ذئباً‭ ‬يبرؤهم‭ ‬وينهي‭ ‬المشكلهْ

‭ ‬لكنهم‭ ‬عادوا‭ ‬وكان‭ ‬دمي‭ ‬على‭ ‬

فمهم‭ ‬أتحتاج‭ ‬القميص‭ ‬لتسألهْ‭ ‬؟

‭ ‬أبتاه‭ ‬لو‭ ‬جاؤوا‭ ‬به‭ ‬فلتخفه‭ ‬

عن‭ ‬وجه‭ ‬أمي‭ ‬فهي‭ ‬لن‭ ‬تتحملهْ‭ ‬

عصف‭ ‬السواد‭ ‬بها‭ ‬فلم‭ ‬يترك‭ ‬لها

‭ ‬الاّ‭ ‬عيونا‭ ‬بالبياض‭ ‬مكللهْ‭ ‬

جفت‭ ‬يداها‭ ‬فوق‭ ‬حبل‭ ‬غسيلها‭ ‬

لما‭ ‬رأت‭ ‬صوري‭ ‬عليه‭ ‬مبلّلهْ

‭ ‬هي‭ ‬ها‭ ‬هنا‭ ‬قربي‭ ‬بوجه‭ ‬مصحف

‭ ‬تجري‭ ‬عليه‭ ‬دموعها‭ ‬كالبسملهْ‭ ‬

والآن‭ ‬هذا‭ ‬الجسر‭ ‬صار‭ ‬منصتي

‭ ‬ألقيت‭ ‬كل‭ ‬قصائدي‭ ‬كي‭ ‬أحملهْ‭ ‬

يوما‭ ‬سيعبر‭ ‬فوقه‭ ‬أهلي‭ ‬لذا‭ ‬

علقت‭ ‬روحي‭ ‬فوقه‭ ‬لتظللهْ

‭ ‬الجسر‭ ‬يهمس‭ ‬لي‭ ‬فتولد‭ ‬من‭ ‬دمي

‭ ‬طرق‭ ‬ومن‭ ‬عيني‭ ‬تبزغ‭ ‬بوصلهْ‭ ‬

لم‭ ‬أنشغل‭ ‬بالموت‭ ‬همّي‭ ‬كله‭ ‬

أني‭ ‬تركت‭ ‬البندقية‭ ‬أرملهْ‭ ‬

وتركت‭ ‬أطفال‭ ‬الرصاص‭ ‬بحضنها

‭ ‬أحلامهم‭ ‬خلف‭ ‬الزناد‭ ‬معطلهْ‭ ‬

وكسرت‭ ‬ظهر‭ ‬الحبل‭ ‬حتى‭ ‬قال‭ ‬لي

‭ ‬هل‭ ‬أكمل‭ ‬الموت‭ ‬العقيم‭ ‬توسلهْ‭ ‬

الحبل‭ ‬هذا‭ ‬صار‭ ‬حبل‭ ‬ولادتي‭ ‬

الآن‭ ‬يرفعني‭ ‬لأعلن‭ ‬مقتلهْ‭ ‬

هم‭ ‬تحت‭ ‬أقدامي‭ ‬سأعلو‭ ‬فوقهم‭ ‬

حرّاً‭ ‬وإن‭ ‬داروا‭ ‬عليَّ‭ ‬كسلسلهْ‭ ‬

قدمي‭ ‬التي‭ ‬كسرت‭ ‬ستكسر‭ ‬ظهر‭ ‬من‭ ‬

خانوا‭ ‬تهز‭ ‬وجودهم‭ ‬كالزلزلهْ‭ ‬

من‭ ‬كل‭ ‬فج‭ ‬في‭ ‬أقاصي‭ ‬النصر‭ ‬

قد‭ ‬حج‭ ‬النخيل‭ ‬الى‭ ‬دمي‭ ‬ليرتلهْ‭ ‬

قد‭ ‬حان‭ ‬دور‭ ‬الأرض‭ ‬حتى‭ ‬تصطفي‭ ‬

منها‭ ‬نبيا‭ ‬للسماء‭ ‬وترسلهْ‭ ‬

فاجأت‭ ‬عري‭ ‬الموت‭ ‬إذ‭ ‬جسدت‭ ‬

ملحمة‭ ‬الختام‭ ‬فلا‭ ‬ستار‭ ‬ليسدلهْ‭ ‬

وبدأت‭ ‬معراجي‭ ‬دنا‭ ‬متدلياً‭ ‬

حلمي‭ ‬الأخير‭ ‬وجرني‭ ‬لأقبلهْ‭ ‬

بين‭ ‬السما‭ ‬والأرض‭ ‬كنت‭ ‬مسافراً‭ ‬

حتى‭ ‬سمعتُ‭ ‬الله‭ ‬يهتفُ‭: ‬يا‭ ‬هلهْ‭ ‬