المجالس الحسينية بين جيلين |
عاصرت جيلين واكتسبت خبرة من خلال ارتقائي المنبر الحسيني في التسعينات وقبلها , وقتها لم ارتدي العمامة ولم ادرس في الحوزة الشريفة , ولكن أمارس قراءة مقتل الحسين {ع} فقط تقليدا للشيخ عبد الزهراء الكعبي رحمه الله منذ بداية السبعينات , واليوم تجاوز عمري ستة وستون سنة قضيتها بهذا العمل ..
ولأكن دقيقا أن احدد الفترة من بداية التسعينات بعد الانتفاضة الشعبانية, حين تم التضييق بكل الوسائل الوحشية على المجالس الحسينية , رافقها حملات اعتقال للمتدينين عامة وللجمهور الحسيني والخطباء خاصة , حتى كنا نختار المفردة التي نلفظها على المنبر لأنها كافية بإنهاء حياتنا وحياة أصحاب المجلس , ولا باس أن نذكر المجالس الحسينية تلك الفترة تعتبر وكرا لمعارضة النظام وان جميع من يحضر للمجلس الحسيني يعتبرونه معارضا للدولة والحزب القائد . فكانت المجالس الحسينية تشكل مرتعا خصبا لاصطياد الجمهور الحسيني ومراقبته من قبل الأجهزة الأمنية على المكشوف , لان كل مجلس لا يخلوا من عناصر الأمن والمخابرات والحزب ووكلاءهم ومنافقين يزودون الحزب عن جميع ما تحتاجه المنظمة الحزبية في المنطقة من معلومات .
رغم ذلك كانت المجالس تغص بالجمهور الحسيني بشكل عجيب , اغلبهم تحديا لعناصر النظام وأجهزته القمعية لان الجمهور كان يرى إن المجالس والمنبر الحسيني هو الطليعة التي تصدت لأفكار حزب البعث ولجاوزته آنذاك ..
وأتذكر المجالس الكبيرة جدا التي لا تستوعبها الجوامع والحسينيات خلال شهر رمضان المبارك وشهري محرم وصفر , رغم المنع والضغط والمراقبة , إلا أن الحضور كان كبير جدا تمتلئ الحسينية والشوارع المحيطة بها .. أتذكر في عام 1996 في جامع البيضان في منطقة 5 ميل في ليلة شهادة أمير المؤمنين {ع} مطرت السماء منذ الساعة الثانية ظهرا , وكان وقت المحاضرة الساعة السابعة مساء .. خطر في بالي أن عدد الحضور سينخفض تلك الليلة بسبب استمرار المطر وحين وصلت فوجئت بمنظر يتذكره أبناء تلك المنطقة حيث رأيت الشارع مملوء بالناس وهو واقفون والمطر ينهمر على رؤوسهم ولم يتخلف حتى النساء كانت واقفات على جانب تحت سيول الأمطار , نزلت من السيارة والعبرة تخنقني ,قلت سأقرأ ربع ساعة فقط , مراعاة لحالكم , رد الجمهور الذي سمع كلامي بكلمة لا لا نحن لا يهمنا المطر نريد نسمع محاضرة عن إمامنا أمير المؤمنين {ع} !!!!!!!..
في حسينية حلاف السويجت كان الشارع ينقطع من كثرة الجمهور الحسيني حتى اضطر ضابط امن مركز الأصمعي أن يحضر بنفسه يوميا ليفتح الطريق سايد واحد فقط ... ومثلها في حسينية الإمام الحسن {ع} في الجمهورية , نظرا لكثرة الجمهور قامت منظمة الحزب بالجمهورية بمنع وصول الجمهور للحسينية , ومنعوني في ليلة من الليالي أن أصل للحسينية وطردني مسؤول السيطرة ولكن بعض الشباب كانوا ينظرون للموقف من بعيد ,نادوني وأوصلوني من فروع السوق للباب الخلفي للحسينية المذكورة ..
في البراضعية حيث جامع البراضعية الكبير يغص بالناس, رأيت بأم عيني عددا من الجمهور يأتي من قرى أبي الخصيب والحيانية وحي الزيتون ومنطقة القبلة وأحيانا من الزبير للاستماع للمحاضرة .. وفي البصرة جامع السيد نور آل شبر كان للمجلس طعم خاص ويوم العاشر يسالنسي بعض الناس عن المكان الذي ساقرا فيه المقتل ..
ومثل هذه المجالس في كرمة علي جعفر مجيد ومجلس شارع أبو الأسود , وحسينية أبو ستار في العشار وحسينية الحاوي التي ترعرعت فيها , وجامع الابلة , ومجالس أخرى صغيرة تشرفت بخدمتها .. وأتذكر مجلسا في العالية لرجل من عشيرة خفاجة ابو كامل الذي يذوب في حب الحسين {ع} ومجلس أبو صباح كرمة علي عشيرة السواعد ومجالس لا أتذكرها الآن ...ما رأيت أحدا يتخلف أو يشغل نفسه بسرادق الشاي أو الناركيله رغم ان السرادقات كانت ممنوعة أصلا ,, ولم اسمع ولم اعرف إن مجلسا معينا يعتبر محسوبا على المرجع الفلاني أو العشيرة الفلانية .. أما مجلس الأحزاب فلا وجود لها تلك الفترة ..
اليوم المجالس خاوية مع شديد الأسف واغلب انتهت مناسبة محرم هذا العام 1438 وبعض الشباب ممن يحسب نفسه على الخط الحسيني ولكنه لم يدخل مجلسا حسينيا ولم يسمع خطيبا , أما في شهر رمضان فهؤلاء لهم جلسات محببة أكثر من مجالس الحسين عليه السلام في الكازينات .. وأماكنهم الأخرى التي أصبحت بديلا عن الجوامع والحسينيات ..
كان من يحضر المجلس الحسيني ذلك الوقت يرتدي ثيابا نظيفة ومحتشمة وهنداما يليق بالأسنان , ويبدو عليه كل مظاهر الاحترام أما اليوم فحدث ولا حرج الثياب وقصات الشعر , بعض ممن يحضر لمجالس معينة لا بد انه ينتمي للجهة التي تقيمه سواء حزبية او مرجعية أو عشائرية أحيانا , فأصبح عدد الحاضرين في اغلب الحالات لا يزيدون على عشرين شخص . ولا اعتقد أن يحضر الجمهور هذه الفترة عند خطيب لا ينتمي اليه من خلال جهة معينة في الغالب . وما يأتي مستقبلا من مستجدات .. الله العالم .
|