نساء عاصرن الأمة وعشن أبداً! تاسوعاء وداع زينبي لا تحدده آه واحدة...

حوار واسع عميق وممتد في يوم كان مقداره ألف سنة، دار في خيام بني هاشم، والمحور هو كربلاء، وما سيجري على أهل البيت من مصائب وويلات، فأخذ الأطفال يتجاذبون موضوعات كثيرة، بوجود عمهم العباس، وعمتهم الحوراء (عليهما السلام)، والوداع كان أول ما قام به أبناء وبنات البيت العلوي، مع إمامهم الحسين (عليه السلام)، فهم وحدهم يعرفون المعنى الحقيقي للصبر، ويمنحون ذكرياتهم لأرض الطف، لتكون كعبة للأحزان، ومنبراً للحرية والكرامة، وشاهداً أزلياً على نصرة الدين والعقيدة.
المتصفح لأحداث الغاضرية في التاسع من محرم الحرام، يشاهد مصباح الوجع قد أشعل زيته، بين وجوه اليتامى والثكالى، قبل أن يطلع النهار، ليملي عليهم شروط الحياة، في ظل غياب الناصر والمغيث، والذبيح الرابح (عليه السلام) سيكون في ذمة الخلود، فكلاب يزيد الطاغية مدربون جيداً، ولأنهم يخافون لبوة علي، وعقيلة الطالبين الحوراء زينب (عليها السلام) ساروا بهن بين البلدان، فإقتنصت أم المصائب هذه الفرصة، لتعلن نفسها وزيرة لإعلام القضية الحسينية، من خلال حشد نسوي يعبر الصحراء!
لقد علمتنا السيدة الحوراء (عليها السلام)، أن الحرب تدوس بأقدامها الهمجية كل شيء، ولا تعرف حدوداً لضحاياها، فهذه كربلاء قدمت لنا قرابين الطهر والقداسة، لإبن بنت النبي (صلواته تعالى عليهم أجمعين) ولاوجود للإنسانية فيها، فقلوب المارقين على الدين يتلذذون بمناظر الدم، لكنها خلقت من الطف ملحمة عالمية، شقت طريقها عبر الصبر والدموع، لتلقي على مسامع الضمير الإنساني، قصة إنتصار الدم على السيف، وبدى وكأن كربلاء مكان لا يعمل، إلا بوجود الحوراء عليها السلام وبقية النساء!
للنساء قلوب تكره الحرب، فمشاهد الرؤوس المقطوعة، والمحمولة على أسنة الرماح، مع مسيرة للإيثار والتضحية، يفرض حالة من الصمت والهيبة، وتاسوعاء الحسين (عليه السلام) وداع لاتحدده آه واحدة، فرغم ذلك هتفت السيدة زينب (عليها السلام): ربنا تقبل هذا القربان، وخذ حتى ترضى وهذه أول الآهات، وإنطلقت من أم كلثوم لتنادي: وامحمداه، وعلياه، وحمزتاه، وجعفراه، إنها آهات عابرة للحدود والأزمنة، فالحسين عليه السلام روح تلائم كل العصور، ووقوفك مع قضيته، تعني أنك راكب في سفينة النجاة.
بين شفاه أيتام غادر الأمان أحضانهم، وبين أمهات ثكلى قدموا فلذات أكبادهم، وذابوا عشقاً في الباريء عز وجل، وتسابقوا لنيل كرامة الشهادة، فحققوا أول إنتصار، سحب وراءه سلسلة إنتصارات كربلائية، قادتها أم المصائب زينب الكبرى (عليها السلام)، لترضخ ألة الظلم اليزيدي تحت قدميها، وتذل كبريائها، فعلمتنا كيف يبني الإنسان حياته من خلال مظلوميته وأوجاعه، وتكون الأساس الخالد لكل الأحرار، ليسحقوا الطواغيت، فالأمة التي تتبنى ثقافة الشهادة والتضحية، لن تتقهقر أبداً ونعلنها مدوية لبيك يا حسين.