منذ اربعة ايام وصفحات التواصل الاجتماعي عبر الفيسبوك تشيط غضباً وتمطر غيضاً وألماً لما يجري في محافظات العراق. خيم اعتصامات.. تظاهرات.. علميات ارهابية.. مقتل افراد الجيش العراقي بدم بارد في اكثر من مدينة, فضلاً عن انباء الاشتباكات بين القوات الامنية ومسلحين في الموصل. الفيسبوكيون اثبتوا انهم متابعون من الطراز الاول لسير الاحداث في البلاد, وافضل بكثير من بعض المؤسسات الاعلامية التي لا تستطيع الخروج عن دائرة الطائفية والانحياز لجهة معينة, حكومية كانت او حزبية!
الفيسبوكيون اثبتوا ايضاً, انهم حياديون لدرجة كبيرة, حيث شاهدت على صفحات بعض الاصدقاء من الشيعة والسنة وهم ينقلون مجريات الاحداث في ساحات الاعتصام في الانبار والحويجة. بينما يعبر بعض الاصدقاء السنة عن استنكارهم واستقباحهم للأفعال الشنيعة التي اقدم عليها مسلحون في المنطقة الغربية, ولم تهدأ صفحاتهم عن توجيه اللوم والنداءات والعتب الشديد اللهجة لشيوخ العشائر في تلك المدن وفي ساحات الاعتصام, ومناشداتهم المتكرر بمد يد العون وتقديم المساعدة لرجال الامن للقبض على المجرمين.
بهذه الروح المتجردة عن الانانية والطائفية يتواصل العراقيون عبر صفحات التواصل الاجتماعي, وبعيداً عن اي مراعاة (مقصودة) لشروط وقوانين المواقع المنشئة لتلك الصفحات, بل بمناعة ذاتية, لا بروح الحقد والطائفية والعنصرية التي تسعى لها بعض المؤسسات الاعلامية, والاقلام المأجورة, والخطابات الفجة, التي ترعها اجندات خارجية (بترولية) ترمي من ورائها خلق الفوضى والصراع والاقتتال الطائفي. الفضائيات التي واكبت احداث الحويجة والانبار بطريقتها المعهودة عبر تسليط الضوء على الخطاب الطائفي لبعض رجل الدين المطرفين هناك؛ اخفت تحت عباءتها المشروع الخطير لتلك الاجندات, وهو تقسيم البلاد الى دولات صغيرة بوسائل اكثر فتكاً من الرصاص والقنابل, وبعيداً عن اي محاولات ميدانية, بل عبر بثها لتلك الخطب.
الفيسبوكيون حياديون, وأكثر مهنيةً والتزاماً بشروط استخدام صفحاتهم الى حد كبير, لو قارناهم بالفضائيات الطائفية التي لا تراعي حقوق المهنة وضوابطها والمصلحة العامة للوطن. بإمكان اي مشترك هناك ان يحافظ على تجمعه وسلامة افكارهم من التلوث بعد حضر كل من يحاول ان يعكر صفو ونقاء تلك الافكار والعقول المتجردة عن الطائفية, بينما تتأخر هيئة الاعلام والاتصالات في التشخيص واتخاذ القرارٍ بحق القنوات (العشرة) الاكثر طائفية, والتي اسهمت في نشر وباء مجتمعي خطير, وتعبئة عقول المراهقين بالعصبيات والنزعات القبلية للثأر ممن يختلف معهم في الرأي والفكر والعقيدة.
عشر قنوات لا تكفي, ولا تلبي طموح يسعى اليه ابناء هذا البلد, وهو القضاء على الخطاب والاعلام الداعمان للفتنة الطائفية! نحن بحاجة الى اجتثاث جذري لكل من يروج لها في العراق واي مكان في العالم, من خلال مقاطعتهم وعدم الاخذ بنعيقهم. كما نحن بحاجة الى مناعة ذاتية تدعونا الى محاربة تلك الابواق التي تدعوا الى الكراهية والعداء والعنف, والمحافظة على المساحات المتوفرة لدينا عبر تلك الصفحات الاجتماعية في الانترنت من الوباء ذاته, ومن التخاذل والتسامح مع الابواق التي تسامحنا معها حتى استشرت.