النظام السياسي بين سياسة الاصلاح والانقلاب |
اتسم النظام السياسي في العراق بلباسه الجديد الديمقراطي بالتعددية الحزبية وتقاسم السلطات وفق الدستور الذي انبثق من رحم التجربة السياسية الحديث بواقعها المرير وتداعياتها الخطيرة في الانقسام والتفكك والتفدرل يسياسة حيث تجري في إطار جمهورية برلمانية ديمقراطية فيدرالية ممثل. وهو نظام التعددية الحزبية حيث تمارس السلطة التنفيذية من قبل رئيس الوزراء لمجلس الوزراء بصفته رئيس الحكومة، فضلا عن رئيس العراق، وتناط السلطة التشريعية في مجلس النواب العراقي ومجلس الاتحاد العراقي. مع الاخذ بالنظر بالفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية .
يمارس رئيس الوزراء صلاحيات واسعة وفق الدستور و الذي يحمل أكثر من السلطة التنفيذية ويعين مجلس الوزراء، وهذا ما جرى في عهد الحكومة السابقة من استخدام صلاحيات خارج الدستور مثل مكتب القائد العام او مكاتب مكافحة الارهاب او استحداث مناصب عليا لاغراض توافقية وارضائية اوغيرها . خارج الدستور وعبأ على خزينة الدولة ،وفي ظل هذه الديمقراطية المشوبة بعدم الفهم والثقة بين الشركاء السياسيين وفي ظل اجواء تعددية الاحزاب الغير محكومة بقوانين وضوابط وبين اتساع وتضارب نطاق المسؤوليات والصلاحيات بين الرئاسات وبعض الهيئات وافتقار الدستور الى فهم عميق ووضوح الى حيثيات العلاقة بين السلطات والهيئات التشريعية والتنفيذية ..اتسمت العملية السياسية في العراق الى تجاذبات كثيرة ومزالق خطيرة ادت الى تعميق الفجوات السياسية والهوة بين الرئاسات ونزوعها للسيطرة والاستحواذ على القرار السياسي لصالح الاحزاب الحاكمة المتنافسة في السلطة
وقد جاء بالقسم السادس من الدستور العراقي ليوضح طبيعة و خصائص النظام السياسي العراقي ويمكن تحديد طبيعة و خصائص النظام السياسي العراقي من خلال تحليل بعض المواد الواردة في دستور العراق لعام 2005 ، خاصة المواد ( 1 و 5 و 6 و 47 ) ، فقد نصت المادة الاولى على إن : ( جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ( برلماني ) ديمقراطي ، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق )
وعلى اساس مضامين تلك المواد ، تتبين طبيعة النظام السياسي العراقي من الناحية الدستورية النظرية ،
1-شكل الحكومة جمهوري .
2-شكل الدولة اتحادي .
3-أسلوب الحكم ديمقراطي ، نوعه نيابي ، أي يقوم على أساس انتخاب الشعب العراقي بصفته مصدرا للسلطات وشرعيتها ، لنواب يمثلونه .
4-نوع النظام السياسي برلماني .
5- صورة العلاقة بين السلطات الاتحادية : التشريعية والتنفيذية والقضائية ، هي الفصل فيما بينها .
أما من الناحية العملية ، فان طبيعة النظام السياسي العراقي من ناحية نوعه البرلماني ومن ناحية صورة العلاقة بين هيئات سلطة الدولة الاتحادية ، فقد أصبحت ، كما يأتي :
1- نوع النظام السياسي :
لم يتم اعتماد اسس النظام البرلماني التقليدية ، المتجسدة في وجود هيئة تنفيذية بجهتين ، الأولى تتمثل برئيس دولة صوري ولا يحكم ومن ثم فهو غير مسؤول ، والثانية تتمثل بوجود رئيس حكومة يحكم فعليا ومن ثم فهو مسؤول أمام الهيئة التشريعية المنتخبة التي تمثل الشعب .
وتؤكد العديد من مضامين مواد دستور العراق لعام 2005 ، على انه لرئيس الدولة ، صلاحيات كثيرة وقوية ذات طبيعة تشريعية وقضائية اضافة الى صلاحياته التنفيذية . فرئيس الجمهورية يستطيع ان يقدم طلبا الى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء . وأن يقوم مقام رئيس مجلس الوزراء ، عند خلو المنصب لأي سببٍ كان . وأن يوافق على حل مجلس النواب . وأن يشترك في اقتراح تعديل الدستور . وأن يصدر العفو الخاص .
وهذا يعني ان رئيس الدولة ليس مجرد واجهة رئاسية للحكم فقط وانما يحكم أيضا ، ومن ثم نظم الدستور مسائلته بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب في أوسع نطاق ، ولكن العملية السياسية المضطربة التي تشكلت وتبلورت على اسس طائفية وقومية تقف بالضد لكل مفسد في العملية السياسية او عملية اصلاح ولو جزئي نتيجة الاتفاقات وتبادل المصالح والمنافع الحكومية بين الكتل الحزبية مما يجعل الامر في غاية الصعوبة والتعقيد وهذا ما لوحظ اخيرا نتيجة خلع رئيس البرلمان من منصبه وكيف كانت ردات فعل الكتل الاخرى فالجميع يتفق فيما بينهم على حماية الصورة والشكل السياسي القائم على مكتسبات الاتفاقات السياسية الطائفية لكي لا يفقد تلك المكتسبات الحزبية والتي اضرت بالبلاد وانتفعت من خلالها احزاب السلطة
2- العلاقة بين هيئات سلطة الدولة الاتحادية :
على الرغم من ان دستور العراق لعام 2005 قد تبنى مبدأ توزيع السلطة ، من خلال اقراره لمبدأ الفصل بين السلطات النسبي أو المرن ، الا انه لم ينجح في تحقيق التوازن والمساواة فيما بينها عندما قام بتوزيع الاختصاصات عليها ، الأمر الذي انعكس بظلاله ايضا على جوانب التعاون المتبادل المفترض حصوله بينها على الأقل فيما يخص الاختصاصات المشتركة ، ونفس الأمر ينطبق على آليات الرقابة المتبادلة
ويتضح من ذلك، إن اختلال عناصر التوازن والمساواة والتعاون بين هيئات سلطة الدولة الاتحادية نسبيا ، لصالح الهيئة التشريعية ، أدى الى عدم تطبيق أحد أركان النظام النيابي الأساسية عمليا المتجسد في المساواة والتوازن والتعاون والرقابة المتبادلة . كما ان هيمنة احزاب السلطة على مواقع وهيئات مهمة في السلطة التشريعية والتنفيذية عطلت الكثير من عمل السلطة التشريعية لما تواجهه من معوقات بصدد تلك الهيمنة التي تصادر جهد كل عمل رقابي او استجوابي كما ان التركيبة المعقدة للنظام السياسي المحاصصي في العراق عطل كل الجهود الوطنية لاصلاح العملية السياسية ورسم سياسات وطنية جديدة تعتمد على الضوابط المهنية والاحترافية لمغادرة واقع الانقسام والخلاف والتوزيع المحاصصي لكافة مؤسسات الدولة على اسس الطائفية والحزبية .ان كل المؤشرات السياسية وكل الجهود الوطنية في الاطار السياسي تسقط امام هوة تلك المعوقات الكبيرة والتي تقف على حمايتها المنظومة الدولية ومن خلفها اميركا لابقاء دور العراق ضعيفا مقسما مشتتا والتقويض والسيطرة عليه وعلى ثرواته ولابقاء النفوذ الاستعماري الجديد على كل مفاصل اذرعه….فبعد تقاعس رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ورئيس البرلمان بما يمثلونه من رأس الهرم للنظام السياسي في العراق لايجاد مخرج من دائرة النفق الضيق الذي يعيشه العراق في ظل كل التداعيات الخطيرة على الوضع الامني والسياسي والاقتصادي والتي تنذر بنهاية سقوط وانهيار تام للعراق بعد ان فشلت كل الجهود الرامية من قبل البعض من الاطراف السياسية والشخصيات الوطنية والاحزاب المعتدلة وحتى جهود رئيس الحكومة الحماسية التي واجهت ضغوطات التظاهرات والشارع العراقي الذي كان يتوق للإصلاح والتغيير للخارطة السياسية والهيكلة القائمة على المحاصصة الحزبية والطائفية
وقد يجد البعض خيارا اخرا من ايجاد خيارات ثورية جديدة بعيدة عن التفاهمات السياسية الفاشلة التي تكرس المنافع الحزبية على حساب المصالح العليا للبلاد بعد ان فشلت كل مشاريع ومطالبات التغيير والتظاهرات العارمة التي شهدها العراق والتي شملت تظاهرات واعتصامات وتوترات خطيرة ادت الى تعقيد المشهد السياسي وانقسام مجلس النواب على نفسه وتعطل العملية الدستورية والشرعية
وما تلتها من احداث اخرى وتداعيات ادت الى تعقيد المشهد السياسي ودخول العراق الى دوامة صراع سياسي اخر مدعوم ميليشيويا مما يجعل خيارات الاصلاح والتغيير في العملية السياسية امرا صعبا جدا يضاف اليه خطر داعش والتدخل الخارجي . ودعاة ومحاولات التقسيم
مما يترك الامر مرهونا على خيارين اولهما التعويل على التغيير في الانتخابات القادمة والتثقيف من قبل الشعب على ازالة كل وحوه السلطة واما الحل الثوري العسكري الذي بدوره سيكتسح كل الاحزاب العميلة والفاسدة ويكتسح كل ساسة ودعاة الاقتسام والطائفية ودستورهم العقيم ….بعد توافر كل مقومات الثورة الشعبية وقيادتها وجماهيرها المعبئة عقائديا وعسكريا لتغيير كل النظام السياسي الفاشل وبناء نظام سياسي وطني يستند على اسس المواطنة والشراكة الحقيقية للحكم لكل المكونات على اسس المهنية والوطنية والعدالة المجتمعية
|