بدعة صيام عاشوراء


ثمة شيء لا نعرفه نحن معشر المسلمين ، عن ذلك التفنن المقصود في إثارة الفتنة وتنويع مصادرها ، لكي لا يقر لنا قرار ونكون كما هو العالم المحترم ، وهذه المرة وجدت الترويج قد فاق حده فرحاً بعاشوراء لا لشيء إلاَّ من أجل القول إنه يوم مقدس وحصلت فيه كل النواميس والمعجزات ، وقد حاول بعض المرجفين تزويدنا ببعض الأخبار السُحت التي تُصدق مقولتهم وما حدث للأنبياء في مثل هذا اليوم ، كما جهد البعض من وعاظ السلاطين لكي يُقعدوا لنا هذه البدعة ، ويجعلوها لنا ويكأنها هي الإسلام وشرعه المطلوب ، ونحن ومن باب الموضوعية نقول : بعد تتبعنا للأخبار والروايات وقصص القوم في ذلك ، لم نجد لهذه البدعة أية حقيقة ، هذا من جهة الزمان فلم ينتصر موسى النبي على فرعون الطاغية في هذا اليوم ، إذ لم يكن هذا اليوم من أيام السنة اليهودية ، أعني إنتصار موسى كان في زمنه هو وسنتهم هم ، ، وأما السنة الهجرية التي مبدئها بمحرم فهي مما سنه عمر بن الخطاب كما هو الرأي المشهور ، ولا أدري إن كان موسى يستخدم السنة الهجرية العمرية أم لا ؟ ، ثم من هو من المؤرخين من ضبط لنا وأشار إلى ذلك ، وهل كان الأمر مجرد مصادفة مع يوم عاشوراء ؟ ثم من من الرجال الثقات الذين جاؤوا بهذا الخبر ؟ ، ومن من المؤورخين دقق وحقق في ذلك وقال لنا من غير شك إن يوم عاشوراء هو يوم يهودي ؟ 

مشكلتنا أيها السادة ليست مع التاريخ ولا مع فقهاء التراث ، بل مع المذهبية السلفية التي تُغطي على العقل وتُصادر الحرية وتفرض علينا القيود وكل ماهو غير معقول ومنطقي ، المذهبية السلفية كما قال العلامة الشهيد البوطي رحمه الله هي بدعة سرت في عقل الأمة فخربته وإنتزعت منه كل ما هو صحيح ومعقول ، إنها قد تسللت عبر الضرب على فعل السلف للفتك بكل ما هو عقلي وإنساني في الدين الإسلامي .

إن عاشوراء هو اليوم الذي حصلت فيه المجزرة بحق الإمام الحسين وأولاده وأصحابه ، على يد حاكم طاغية موتور نزاَّع للشر والجريمة ، عاشوراء ليست يوماً للفرح والعبادة حتى يؤمر المسلمون فيه بالصوم إتماماً لعهد الله التطوعي ، بل هو يوم نتذكر فيه الشهيد الحسين المظلوم ، ونتذكر فيه الجريمة التي أرتكبت بحق العدل والمنادين بالعدالة ، عاشوراء نتذكر فيها كيف تجمعت قوى الشر والإرهاب لقتل المبدأ الحر ، ولكي لا نتذكر ذلك ولا نعيش معنى الدفاع عن العدل والحرية والسلام ، صاغت لنا المذهبية السلفية هذه البدعة وركزتها في أذهان البسطاء مُدعيةً إن الرسول محمد قد طلب فيها منا الصوم إبتهاجاً بإنتصارات مزعومة .

ولم يدر في خُلد هؤلاء القتلة إن حبل الكذب قصير ، وإن سنتنا الهجرية هي ليست السنة اليهودية ولا المصرية القديمة ولا أشهرها هي عينها ولا أسمائها كذلك ، فالسنة اليهودية هي غير هذا ولا أظن إن اليهود كانوا في زمن موسى يسيرون وفقاً لسنتنا الهجرية هذه ، 

إن تجهيل الناس والتهويش بأخبار موضوعة كاذبة ونسبتها إلى الرسول محمد هي واحدة من أعظم البلاياء التي أبتلينا بها ، ولكنها كانت هدفاً مقصوداً من الحكام والخلفاء الذين كانوا إمتداداً لخلافة يزيد بكل ما تحمل من عنف وجريمة وكراهية وعدوان ، هؤلاء الخلفاء سخروا نفراً من بائعي الضمير والشرف من جوقة الوعاض لكي يقولوا لنا ويدسوا بين كتبنا أخبار ما أنزل الله بها من سلطان ، نعم هي من البلايا التي أصابت عقولنا في الصميم ، ولكنها لن تصمد وستزول بفعل عوامل التوعية والتثقيف ، وإن صدق بعض الناس بها فيقيني إنها كانت تصدق نسبة الأخبار إلى الرسول ، ولكن ذلك التصديق مع الأيام وإنكشاف المستور قد أصابه الوهن ، فالناس تبحث عن الدليل وتريد الحجة ولا تريد الإنغماس بما يشتهيه السلطان ومايريده ، وهذا يعني رفض هذه البدعة السمجة الفاسدة النتنة التي لا تدل على خير بقدر ما تدل على الفتنة والتظاهر بالعدوانية في يوم قُتل فيه الإمام الحسين على يد طاغية زمانه .

وستبقى عاشوراء عندنا ولدى الناس جميعاً يوماً للبطولة وإنتصاراً للدم على السيف ، إنه يوم إنتصار الشهيد المظلوم على قوى الشر والعدوان والجريمة ، وسلاماً على الحسين في يوم عاشوراء وعلى أبناء الحسين وعلى أصحاب الحسين ، وليذهب إلى الجحيم كل أنصار الشر والإرهاب والجريمة .