كان قرار رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي بالغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والوزراء قد صوّر في حينه، على انه حجر الزاوية في عملية الاصلاح المزعومة في الدولة العراقية الخاوية اصلاً. ومنه جرى التأمل بقيام خطوات مماثلة لاحقة في المؤسسات الاخرى التي نهشها الفساد. وكل ذلك كان لا يساوي الا وهم منطلق من رغبة الناس بالاصلاح، كما اخذتهم حماسة الحراك الجماهير الى التطلع لبناء الدولة المدنية الخالية من الفساد والظلم الاجتماعي الذي خلفه النظام السابق وكذلك اعادت انتاجه مخرجات نهج المحاصصة الطائفية الاثنية المقيتة. كانت خطوة الاصلاح قد ولدت وهي بعمر " الخُدّج " كما يقال. اذ انها تخلو من الحصانات اللازمة ومن الرؤى المتجلية في منهج سياسي يتناسب ومتطلبات صيرورتها المفترضة، وايضاً غياب تبلور القوى الجديرة بقيادتها، مع ان القوى المحركة لعملية الاصلاح كانت فاعلة في الشارع والمتمثلة بجماهير الحراك. وهنا يبدو الامر عالقاً بشرك مفارقة لابد من تفكيكها. فمن ناحية يبدو الفساد مزدهراً ومن الناحية الاخرى تتململ مسيرة الاصلاح بعشوائية مبهمة ومكبوحة. مما اتحاح للمفسدين اصحاب النفوذ في السلطة لاقتناص الفرصة المناسبة بغية التصدي لاي حاصل اصلاحي وارجاعه القهقرى، تم ذلك تحديداً في ظرف خف فيه زخم التظاهرات، وكان الوقت المناسب لتفعيل اذرعهم في سلطة القضاء على وجه التعين، وان كان بعد عام على اسقاط ابرز فعل اصلاحي. الا وهو الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، لاجل ارجاعهم الى مواقهم مع تسديد رواتبهم باثر رجعي. لينكأوا جرح الضائقة المالية الموجع، دون اي رادع من ضمير. بذلك اسفر الفاسدون، واين ما وجدوا في السلطات الثلاث، عن تناغم وتعاون وتدبير غير مشروع، لتمرير ما تقتضيه مصالحهم الخاصة، مستغلين اغطية قانونية معتلة اصلاً، غير جائزة دستورياً ، حيث جاء قرار المحكمة باعادة نواب رئيس الجمهورية الى مناصبهم عقب مضي عام على قرار البرلمان بتأيده للغاء هذه المناصب، كجزء من عملية اصلاح مفترضة، ولم يتم اجراء المحكمة الاخير بفعل مقتضيات قانونية خالصة. انما جاء بأختراقات خفية لحصانة القضاء. لكن لم تغب حقيقتها عن العقلاء والمخلصين لمصالح شعبهم، اذ سرعان ما رصدوا مضاهرها جلية وقبل قرار المحكمة بوقت ليس بلقصير، وذلك بتصرف احد نواب الرئيس وهو السيد المالكي الذي قام بالايحاء على كونه في منصبه الرسمي عندما دأب على اللقاء بالسفراء والمبعوثين الاجانب، دون تكليف من اية سلطة، كما قام اخر وهو السيد النجيفي بتصريحات تستخف بسيناريوا تحرير الموصل بصورة لم يجرؤ عليها الا من يمتلك السلطة التي تبيح له ذلك. ان الهواجس وباخطر اشكالها، حينما يتبين بان السيد العبادي رئيس الوزراء والذي يزعم بانه رافع راية الاصلاح، وصاحب القرار بعزل نواب الرئيس، يقوم بـحركة " الى الوراء در ". متواطئاً اوشريكاً في هذا السطو السياسي على الاجراءات الاصلاحية. غير ان الذي يزكي السيد العبادي او بعكسه مرهون بحقيقة موقفه من قرار المحكمة . هل يعترض مستأنفاً وفق القانون. مطالباً القضاء باعادة النظر بقرار المحكمة الذي يفتقر لاي مسوغ قانوني سليم، يميل الى مصالح الناس. وينم عن حرص على ازاحة المفاصل الوظيفية المترهلة غير المنتجة، التي تكلف ميزانية الدولة الكثير من الاعباء المالية، امعاناً باضعاف الحكومة، وهي خاوية اصلاً. فاي حرص هذا من قبل رجال القضاء عندما يهملون مقاضاة الفاسدين،وكذلك لا يعبأون بالفراغ المتواصل الذي تعانيه الكابينة الوزارية الماضية الى مرحلة صفرية بسبب الاستجوابات غير المناسبة مع راهنية الظرف العسكري والمالي للحكومة. واخيراً يجوز القول بان الفساد المزدهر يتولى ملاحقة الاصلاح وغلق المنافذ عليه بتحريك اذرعه في سلطة القضاء التي غمرتها السياسة ولا يبدو منها سوى قرارات سياسية معبأة بحاويات قانونية لا يخفى كنهها حتى على اطفال هذه المرحلة المكبلة بالنهج الطائفي والاثني الغريب على تاريخ العراق.
|