ثورة الإمام الحسين شعلة أزلية تنير الدرب للشعوب. |
ثورة الأمام الحسين عليه السلام هي ثورة إنسانية كبرى بكل أبعادها حدثت في عصر معين. لكن إشعاعاتها وقيمها ومثلها ومحتواها الإنساني الكبير يشع على كل شعوب الأرض مادام الظلم والاضطهاد قائمان في هذا العالم. ولابد لها أن نستحضر قيم تلك الثورة الخالدة في كل لحظة من لحظات هذا الزمن الذي تجبر فيه طواغيت الأرض، وتمادوا في غطرستهم وعنجهيتهم وظلمهم لبني البشر وعتوا كبير.
وحين نستحضر نحن المستضعفين في الأرض قيم تلك الثورة المجيدة وأهدافها لننهل من نبعها الثر، ودفقها المتجدد نزداد ثقة وعزيمة بقدرة كل من سُلب حقه وامتُهنت كرامته وصودرت حريته،وتعلم من مدرسة الحسين بسعيه لرفض الظلم بعزم لايلين،وإرادة لاتقهر لانتزاع حقه المصادر من برائن أعتى الطغاة، ويقول للظالم قف عند حدك لأن ساعة الخلاص آتية لامحاله.
ومادام هذا الشعاع المحمدي الخالد يظل يخترق المسافات لينير طريق الحرية والكرامة لكل شعوب الأرض المظلومة فإن الكتابة عن الحسين متجددة أيضا. وستبقى كالبحر الذي لاينضب ماؤه ويستلهم منه الكتاب الأحرار الشرفاء من ذوي الضمائر الحية المتوقدة والمدافعين عن الشعوب المظلومة قيم البطولة والإباء والشمم. وقد أجاد الكثير من الكتاب والأدباء والشعراء منذ ثورة الإمام الحسين وليومنا هذا في التعبير عن تلك الثورة الإنسانية العملاقة الخالدة فأبدعوا وأجادوا في كتاباتهم، وأيقظوا الهمم والعزائم ، وزرعوا العنفوان في دماء الثائرين الأباة،وزودونا بسيل جارف من الأمل والثقة بانتصار قيم الحق والفضيلة والمبادئ الخلاقة والتحرر من نير العبودية . وهي المبادئ الجوهرية للثورة الحسينية رغم كل الظلام الناتج عن تحكم حكام القهر والفساد برقاب الملايين من المستضعفين.
لقد قال الإمام الحسين ع في بداية ثورته قائلا:
(مَنْ رأى سلطانًا جائرًا، مستحلًّا لحرم الله، ناكثًا لعهد الله، مخالفًا لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يُغيِّر بقول ولا فعل، كان حقيقًا على الله أن يدخله مدخله)؟
ولهذا فثورة الحسين ع هي امتداد للرسالة المحمدية السمحاء التي رفضت نظام الرق والعبودية ووأد البنات،والتفاخر بالأحساب والأنساب والأموال وقالت لا للظالمين الذين نصبوا من أنفسهم آلهة تعبد من دون الله وسخروا كل شيء لأغراضهم الدنيئة المحرمة التي تتعارض مع أبسط المفاهيم والقيم الأخلاقية وأمروا شعوبهم أن تنقاد كالقطيع لمشيئتهم كما يحدث اليوم في الكثير من الدول الإسلامية .
إنها ثورة عالمية أزلية ستبقى متوهجة عبر العصور لتجدد الدم في عروق الشعوب المضطهدة وتحفزها وتمنحها القدرة الإيمانية الخلاقة والنابضة القادرة على اكتساح العروش الخاوية التي قامت على جماجم المتطلعين إلى حياة الكرامة .
فما أحوج المسلمين اليوم إلى مبادئ الحسين ع لترجمة فصول تلك الثورة الزاخرة بالقيم الإنسانية الكبرى وتحويلها إلى عمل ملموس وواقعي يغير من هذا الواقع المزري والبائس الذي نعيشه كمسلمين بعد أن أعيانا التخلف والنكوص وتقوقعنا خلف الشعارات الخاوية، ونخرت مجتمعاتنا الفتن الطائفية المقيتة، واستباحنا الجهل والفساد والإفساد ،ودمر أوطاننا دعاة الذبح والتكفير والدمار، وتفشت بين ظهرانينا طفيليات الخطب والتصريحات الرنانة وأدعياء الشعارات السياسية الفارغة ، وديناصورات المال الحرام الذين لم يقدموا لشعوبهم إلا الخواء والفقر والذل والعناء والتقهقر. بعد أن رفعوا شعارات الثورة الحسينية الطاهرة زورا وكذبا، واختبأوا خلفها لتحقيق مصالحهم الشخصية ، وذرفوا دموع التماسيح على الطبقات المسحوقة فأثبت الزمن إنهم قوم كاذبون فاشلون في كل شيئ. بعد أن حولوا قيم هذه الثورة العظيمة الخالدة إلى مظاهر سوداوية ، وشعارات عجفاء لاتداوي جرحا من جراحات الشعب الكثيرة بدلا من تغيير الواقع المر الذي يعيشه وطننا العراق الذي تعرض لأشرس أنواع الظلم على مدى قرون عديدة. إن من يقول أنا من شيعة الحسين ع عليه أن يهتدي بنور مبادئه وثورته ضد الظلم والفساد بالقول والعمل ولا ينهب أموال الفقراء ويمشي في جنازاتهم. لقد قال رجل يوما للإمام الحسين ع :(إني من شيعتكم) فأجابه الأمام ع : (ياعبد الله أن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعا فقد صدقت ، وأن كنت خلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لاتقل أنا من شيعتكم، ولكن قل أنا من مواليكم ومحبيكم ومعادي أعدائكم وأنت في خير وإلى خير .)
وكم أتمنى أن يطبق من يحكمنا في العراق هذه الكلمات المأثورة لسبط رسول الله أبي الأحرار والمظلومين الإمام الحسين ع لكي يجسدوا كلماته على صعيد الواقع لابالشعارات الخاوية التي أوصلتنا إلى حال من العدم.
وقد قال الله سبحانه في محكم كتابه العزيز:
بسم الله الرحمن الرحيم :
يَا أَيهَا الذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تفعلون , كَبُرَ مَقْتاً ِعندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ. الصف -2-3.
وأقول للآخرين الذين يزورون تأريخ الدين الإسلامي المحمدي الناصع . ويصورون للناس أن ثورة الأمام الحسين ع هي خروج على ولي الأمر الذي هو يزيد رمز الانحراف والفساد والمجون في التأريخ الإسلامي إنكم من أكبر المتجنين على الحق والحقيقة بعد أن أعمى الله بصركم وبصيرتكم ورحتم تتخبطون في أفكاركم السقيمة بشكل لايقره عقل ولا منطق ولا حقيقة تأريخية ناصعة كقرص الشمس. وتحاولون بغرابيلكم ا المهترئة حجب الحقيقة وإنكار قول الحسين ع:
(لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لأحيي دين جدي رسول الله ص)
لقد أراد الأمام الحسين ع أن يجعل من دمه ودم أهل بيته الطاهر ليكونوا منارا ،وشعلة أزلية عبر العصور لكل من ينشد الإصلاح في مجتمعه وهو القائل ونبال الظالمين تترى عليه:
(إن كان دين محمد ص لايستقم إلا بقتلي فياسيوف خذيني ) فيزيد الداعر الفاجر، والمفسد في الأرض أراد أن يشوه كل قيم ومبادئ ألإسلام بعد أن انحرف عنها، وتمادى في طغيانه وفسقه وفجوره ونهتكه. والإسلام يرفض كل مفسدة وظلم وموبقة وتهتك وانحراف. لكن الأمام الحسين ع وقف تلك الوقفة المشرفة العظيمة وقابله بتلك الجملة القصيرة البليغة المدوية التي مازالت ترعب الطغاة والظالمين أعداء الإنسانية على مر العصور حين ترددها الشعوب المقهورة :( هيهات منا الذله ).
وهل يستطيع عاقل في هذا الكون إنكار حقائق التأريخ والقفز عليها ويبرئ يزيد الفاجر الذي نصبه أبوه معاوية بالطريقة الوراثية خلافا للعقيدة الإسلامية من كل جرائمه ويلقبه بـ (أمير المؤمنين )؟ ولا شك أن هؤلاء المنافقين الدجالين المتجنين على قيم الإسلام المحمدي الناصع يعرفون من هو يزيد حق المعرفة رغم إنكارهم العلني لموبقاته وجرائمه ولكن ختم الله على سمعهم وأبصارهم وعقولهم فكابروا وحرفوا وتجنوا على الحقيقة الساطعة كقرص الشمس.
إنني هنا أذكر هؤلاء بثلاث فضائع فقط أرتكبها يزيد ودونتها أمهات المصادر التأريخية عسى أن يثوب من ينكر حقائق التأريخ إلى رشده ويبتعد عن ضلالاته. فالعمل الأول الشنيع الذي قام به يزيد هو قتله لأبن بنت رسول الله الذي قال ص عنه:
(حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا) وهذا الحديث صحيح ومدون في أمهات المصادر الأسلامية. والعمل الإجرمي الثاني هو هجومه على مدينة الرسول الأعظم وقتله لأكثر من سبعين صحابيا، والاعتداء على شرف ألف فتاة عذراء ولدن أبناء لم يعرفوا آباءهم.
والعمل الوضيع الثالث هو محاصرته لبيت الله الحرام الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ورميه بالمنجنيق وهدمه . والمصادر كثيرة وكثيرة عن منكرات يزيد لمن أراد أن يقرأ. وكم من حاكم في بلداننا الإسلامية اليوم يسلك خطى يزيد ويلقب نفسه ب ( ولي الأمر )؟؟؟ وقد قال الله في محكم كتابه العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم :
وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ .(هود-113
وقال عز من قائل
بسم الله الرحمن الرحيم :
ولاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ. (البقره-42 ).
إن إلباس الحق بالباطل، وطمس الحقائق وتزويرها هي سبب نكوص هذه الأمه وتداعيها وضعفها وهزالها أكثر فأكثر بمرور الزمن. وإذا أردنا قول الحقيقة كمسلمين فيحق لنا أن نفتخر بالحسين ع ونباهي به الأمم ونخاطبها بالعطاء الحي لفيوضاته النورانية فجده سيد المرسلين محمد ص. وأبوه بطل الإسلام الخالد وصاحب نهج البلاغة العظيم، وسيد الوصيين ، وإمام الغر المحجلين علي بن أبي طالب ع الذي قال فيه رسول الله ص:
( ياعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لانبي بعدي .)
وأمه فاطمة الزهراء البتول ع سيدة نساء العالمين التي قال عنها رسول الله ص :
( فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني . )
إنه نسب وضاء ومشرق لم ينله إلا الحسين ع. ومن تربى في هذه المدرسة الإنسانية الكبرى وسار على نهجها لايمكنه أن يكون طالب سلطة أو جاه على حساب المحرومين في وطنه.
وقلة هم أولئك الذين يتبوأون قمم الخلود والسمو والعظمة ليكونوا ملكا للبشرية بمبادئهم الحية النابضة بالفضيلة والطهر والإيثار. وإذا كان للتأريخ أن يقف وقفة أجلال أمام أروع أمثولة للشموخ وإذا كان للدنيا أن تهتف لأروع تضحية سجلها تأريخ الفداء وإذا كان للإنسانية أن تنحني في خشوع أمام أروع أمثولة للبطولة فشموخ الحسين وتضحية الحسين وبطولة الحسين ع هي أروع أمثولة شهدها تأريخ الشموخ والتضحيات والبطولات. والذي يحز في النفس حقا أن ينبري كاتب غربي أو مسيحي من الشرق منصف في عقله وقلمه ويشيد بعظمة الأمام الحسين ع وثورته ويخرج علينا بعض المشايخ المنحرفين والمزورين الذين تلفعوا بالإسلام الداعشي المزور ليعتموا على هذه الثورة العملاقة وأبعادها لابل يترحمون على قاتل الحسين ع وأصحابه وسالبي أهل بيته من ذراري رسول الله ص ، ويدعون ظلما وعدوانا بأن الحسين ع قتل بسيف جده رسول الله ص !!!. ومنهم من يقول يختلق الأكاذيب لطمس وهج هذه الثورة العملاقة ويقول (أن ألشيعة هم الذين قتلوا الحسين ع ويقيمون اليوم عليه النوائح للتكفير عن خطيئتهم بحقه !!!) فيالمصيبة هذه الأمة التي تخرج منها هذه الألسنة المنحرفة ، والأباطيل المتهافتة التي لاتستقيم أبدا مع منطق التأريخ، ولا مع قيم الحق والعدل التي نادى بها الإسلام. إنهم بهذه الأقاويل الجوفاء لا يخدعون إلا أنفسهم.وحين نقلب صفحات التأريخ ونقرأ ماقاله الحسين ع لأصحابه يكون ذلك القول درسا بليغا لكل مسلم متفتح الذهن نافذ البصيرة يستطيع أن يميز بين الخير والشر، والحق والباطل، والنور والظلام، فكيف بشيخ يدعي أنه درس الدين والشريعة لعشرات السنين ويقول هذا الكلام الجارح لقلب رسول الله ص ؟ ولكنا لاستغرب إذا كانت شريعة هذا الشيخ وأمثاله مستمدة من شريعة الطغاة الذين سودوا وجه التأريخ وحرفوا كل حقائقه لصالحهم وصالح حكمهم الفاسد . كم أنت عظيم وأبي وزكي وطاهر سيدي ياأبا عبد الله حين قلت لأبنائك ولأصحابك الطاهر في تلك الساعات الرهيبة التي طوقك فيها أعداء الله والرسول ص: (صبرا يابني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم من البؤس والعزاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائم فأيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر وما هو لأعدائكم إلا كمن ينتقل إلى سجن وعذاب . أن أبي حدثني عن رسول الله ص :
( أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى نيرانهم .)
يقول المهاتما غاندي في كتابه (قصة تجاربي عن الحقيقة):
(لقد طالعت بدقة حياة الأمام الحسين شهيد الإسلام الكبير ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر فلابد لها من الاقتداء بسيرة الأمام الحسين . )
ويقول الآثاري الأكليزي وليم لوفتس: ( لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تأريخ الإنسانية ، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذه .)
ويقول المستشرق الألماني كارل بركلمان: ( الحق أن ميتة الشهداء التي ماتها الحسين ع قد جعلت من ضريح الحسين في كربلاء أقدس محجة .)
ويقول المفكر المسيحي اللبناني أنطوان بارا : ( لو كان الحسين منا لنشرنا له راية في الأرض ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين.)
هذا جزء يسير جدا من شهادات هؤلاء المفكرين المنصفين أضعها أمام كل من على عينه غشاوة عسى أن يستيقظ ضميره ويدرك الحقيقة وإن جاءت متأخرة خير من أن لاتجيئ أبدا.
إن ثورة الحسين ستبقى وتبقى شعلة أزلية لكل شعوب الأرض تستلهم منها أعظم القيم وأنبلها مادامت الأرض والسماء.
فسلام عليك سيدي ياحفيد رسول الله ص وحبيبه وياسيد شهداء شباب الجنة يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا مع جدك المصطفى ص وآل بيته الغر الميامين. أيها العلم الخالد أنت من طرزت أعظم قيم البطولة والتضحية والفداء. ودولة الباطل ساعة ودولة الحق ألي قيام الساعة.
|