إشكالية شرعية العمل الحزبي في العراق وانتخابات مجالس المحافظات 2017 |
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
بعد التغيير السياسي عام 2003 في العراق والتحول نحو تطبيق النظام السياسي الديمقراطي، برزت الحاجة –من بين امور أخرى- الى ضرورة تأطير العمل الحزبي بعد دخول الاحزاب المعارضة الى البلاد ومشاركتها في ادارة الدولة استنادا لمبدأ التعددية الحزبية وفق قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية. لذا صدر أمر سلطة الائتلاف المؤقتة قانون الأحزاب والهيئات السياسية رقم (97) لسنة 2004. على الرغم من مرور (13) عام على التغيير السياسي عام 2003، الا ان العمل على سن قانون للأحزاب خلال تلك المدة لم يتم لأسباب تتعلق بالخلافات السياسية تارة، وخشية الاحزاب السياسية من تعرض مصالحها للخطر تارة اخرى. في النهاية سُن القانون بعد اقراره من قبل مجلس النواب في جلسته الـ16 من الفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الثانية التي عقدت في الـ27 من آب 2015. وطبقا لأحكام البند (أولا) من المادة (61) والبند (ثالثاً) من المادة (73) من الدستور، أصدر رئيس الجمهورية قراره المرقم (39) والمؤرخ في 17/9/2015 المتضمن مصادقة رئاسة الجمهورية على قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنـة 2015 المتكون من (61) مادة. ويهدف القانون –كما جاء في أسبابه الموجبة- إلى تنظيم الإطار القانوني لعمل الأحزاب السياسية على أسس وطنية ديمقراطية تضمن التعددية السياسية وتحقيق مشاركة واسعة في الشؤون العامة. وهي الاحزاب المشتركة في النظام السياسي والاحزاب الجديدة التي يمكن ان تظهر ويتم تسجيلها بموجب القانون. وقرر المشرع في هذا القانون إلغاء كل من قانون الأحزاب السياسية رقم (30) لسنة 1991، وأمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة (قانون الأحزاب والهيئات السياسية) رقم (97) لسنة 2004. مؤكد ان وجود تنظيم قانوني للأحزاب والحركات السياسية له اهمية كبيرة مع السير باتجاه تطبيق النظام السياسي الديمقراطي. اذ تعد الأحزاب السياسية من العناصر الأساسية الفاعلة في النظام السياسي وبالتالي تأطير عملها قانونيا يضفي عليها شرعية التحرك والسلوك السياسي، ويجعلها قادرة على إدامة وتطوير الأساليب الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية بغية توسيع المشاركة السياسية للأفراد. والاشكالية هنا ان الاحزاب السياسية في العراق كانت تستند في شرعية عملها وسلوكها على امر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة (قانون الأحزاب والهيئات السياسية) رقم (97) لسنة 2004 وفق المادة (60 / ثانيا)، وبالتالي فان الغاء هذا الامر مع دخول القانون حيز النفاذ بعد (60) يوما من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية – كما جاء في المادة (61) يضعها في حرج حول مدى شرعية سلوكها السياسي، هذا من جانب. ومن جانب آخر نص القانون الجديد في مادته (58) على "تكيّف الاحزاب القائمة عند نفاذ هذا القانون أوضاعها القانونية بما يتفق وأحكامه خلال مدة لاتزيد على سنة واحدة من تاريخ نفاذه وبعكسه يعد الحزب منحلاً ". وتاريخ نفاذ هذا القانون يكون بعد مرور (60) يوم من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) وفق المادة (61) منه – كما ذكرنا. وتم نشر القانون في الجريدة المذكورة بتاريخ (12/10/2015) في العدد (4383) لذا تكون نهاية السنة التي حددتها المادة المذكورة بتاريخ (12/12/2016) بعد اضافة مدة الـ (60) يوم. وبالتالي هل سيحصل ان تكيّف الاحزاب وضعها القانوني في المدة المتبقية؟، لاسيما وان السيد سعد العبدلي/ مدير عام دائرة شؤون الاحزاب في مفوضية الانتخابات اشار الى ان "الحصول على إجازة التأسيس تكون خلال خمسة اشهر فقط "!!!. هنا لابد من الاشارة الى ان دائرة شؤون الاحزاب في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وعلى لسان مديرها العام السيد العبدلي اعلنت في تموز الماضي تسلمها (45) طلب من كيانات سياسية وأحزاب بينها (13) طلبا لتأسيس أحزاب جديدة و(32) طلبا لأحزاب او كيانات سياسية مصادق عليها سابقا". ويبدو ان سبب هذا التأخير هو تأخر اصدار تعليمات تسجيل الاحزاب والتي كانت تنتظرها المفوضية من مجلس الوزراء -وفق المادة (59) من القانون- قبل ان تقضي المحكمة الاتحادية بعدم دستورية المادة (59) من قانون الأحزاب، معتبرة ان إصدار التعليمات الخاصة بالقانون من صلاحيات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. وقال مقداد الشريفي، عضو مجلس المفوضين والناطق باسم المفوضية، في بيان ان "المفوضية كسبت قراراً من المحكمة الاتحادية بخصوص صلاحية اصدار تعليمات خاصة بقانون الاحزاب". لذا تكرر المفوضية دعوتها الأحزاب السياسية الى "إكمال إجراءاتها الخاصة بالتسجيل من خلال مراجعة دائرة شؤون الأحزاب في المفوضية "، مؤكدة ان " الوقت أصبح ضيقاَ حسب المدة القانونية لتسجيل الأحزاب ولابد من مراجعتها المفوضية لكي تستكمل الإجراءات الخاصة بالتسجيل". ودعا العبدلي جميع الأحزاب المسجلة عليها سابقا الى "الإسراع بمراجعة دائرة شؤون الأحزاب للحصول على إجازة التأسيس ومن ثم الاشتراك في الانتخابات المقبلة".
أما فيما يخص تسجيل الاحزاب الجديدة، لم يصدر عن مفوضية الانتخابات توضيح بشأن الطلبات الـ(13) علما ان القانون نص على ان طلب تأسيس الحزب يعد مقبولاً بعد مرور (15) يوم من تقديمه في حال لم يُبت به من قبل المفوضية، كما جاء في المادة (13/ اولا) من القانون "تبت دائرة الاحزاب بطلب التأسيس خلال مدة لاتتجاوز (15) خمسة عشر يوماً من موعد النظر بالطلب وبخلافه يعتبر الطلب مقبولا". هذه الاشكاليات – فضلا عن صعوبات التكيّف لاسيما مايتعلق بالفصائل المسلحة وممتلكات الاحزاب واستحواذها على المباني العامة -وغيرها لازالت مستمرة في الوقت الذي تستمر مفوضية الانتخابات باستعداداتها لأجراء انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم المقرر أجرائها في نيسان 2017. فما هو السبيل لتجاوز تلك الاشكاليات؟ السبيل هو انه بإمكان مجلس النواب تأجيل تلك الانتخابات لمدة كافية تقترحها المفوضية لأن تستكمل اجراءاتها في تسجيل الاحزاب واستكمال الاحزاب لما مطلوب منها لتكيّف وضعها القانوني مع متضمنات القانون الجديد. |