قتل الطفولة وتجريم المجتمع.



من الظواهر الخطيرة جدا والملفتة بالسنوات الاخيرة هي إساءة البعض وتحت عناوين زائفة للقيم الإنسانية المشتركة والتي أهمها حفظ الطفولة من التعرض للعنف والقسوة، وهو من ضمن حقوق الطفل الأساسية كما اقرتها الشرائع الدينية والدنيوية، والغريب أن الدولة العراقية وانا معني ساكته وتحت تأثير الخضوع للشارع وعجزها عن المعالجة ليس نقصا في الموارد والتقنيات والقوانين، ولكن بتملقها وإنشغالها بالتنازع المناكفات الجانية شجعت بسلبية الموقف على أن يتم التمادي في الأعتداء على جذر المجتمع الإنساني وهو الطفل.
من المتعارف أجتماعيا وقانونيا أن الدولة ككيان يمثل قيم وتوجهات وفلسفات تقود بأداء واجبها الأساس على حفظ الحقوق وصيانتها من التعدي الداخلي والخارجي، ومنها حق الطفل أولا لما يمثله من أساسية مهمة بحفظ المجتمع والنوع الإنساني، وعليها والحال هذا إن كانت تحترم مسماها الوظيفي هذا أن تشرع متشددة في معالجاتها القانونية والاجتماعية تجريم هذا الأعتداء وأعتباره موجه لروح المجتمع أولا وأعتداء على القيم الضامنة للمستقبل، وعليها أن تفعل كل التشريعات النافذة لمواجهة الانتهاكات المنظمة ضد الطفولة وفرض تطبيقها من خلال أشاعة ثقافة الأحترام الضروري لهذه الفئة الأجتماعية، سواء في الانتهاكات التي تجري عليهم في داخل العائلة أو في خارجها وتحت أي ذريعة دينية أو أقتصادية أو نتيجة للظرف السياسي المضطرب مستعينة بتجارب الأخرين وبمساعدة المنظمات الدولية المتخصصة.
وفي غياب معالجات حضارية وإنسانية عملية لصيانة مجتمع يتعرض للإبادة والتشظي والتهميش، أرى أن من الواجب الضروري والمحتم الآن هو التوجه الكامل لكل القوى المدنية والثقافية والإنسانية الأكاديمية، للتنبيه من خطورة ما يجري على الأرض أولا من أنتهاكات فضيعة، وتحميل كل من يكون مسئول قانونيا وأخلاقيا على أن يتحرك ضمن الأطار الوظيفي المخصص له لمواجهة كارثة أجتماعية متوقعة، وعلى السلطة السياسية والتشريعية والقضائية هي الأخرى بأعتبارها الحارس والقيم على الموضوع الإنساني والأجتماعي أن تتحرك بسرعة وبمهنية جادة لمواجهة أنتهاكات الطفولة بكل جدية وأهتمام، فالمجتمع التي تنتهك فيها حقوق من لا يستطيع أن يدافع بنفسه عن حقه مجتمع جريمة منظمة بلا شك.
إن ترك الطفولة في مهب ريح عاصفة تنخر في شخصية رجل المستقبل وتعده وفقا لتفاعلات الجريمة لأن يكون في المستقبل القريب حدثا جانحا ثم مجرما محترفا إن لم ننتبه إلى أهمية المعالجات الواقعية وندق جرس الإنذار من الآن، وحتى لو تمض الأمور بهذه الحدة مجرد ترك الطفل يتعرض لهذه القسوة ، فإننا نفتح له الأبواب المشرعة ليكون سلبيا ولا إنسانيا في تعامله مع الذات ومع الأخر، لأن ترسبات الطفولة في الوعي العميق ستظهر من حيث لا يعلم، فيتحول إلى كاره للمجتمع ومنتقم لما عانى في طفولته أو عايش أحداث أقحم بمشاهدتها ومعايشتها دون إرادة.
وحتى داخل الأسرة هناك الكثير من العنف الأسري والثقافي الموجه والمقنن الذي يستهدف الطفولة في الوقت الذي لا تسمح المجتمعات المصدرة لهذه البرامج والفعاليات الثقافية أن تعرض على أطفالها، فمن خلال مشاهدة برامج التلفزيون أو الأطلاع على وسائل الأتصال والتواصل الحديثة التي تزرع العنف والسلبية والتطرف وحتى الإباحية في عقول النشيء إنما يكمن الهدف الأساس من التخريب العقلي المستهدف، دون أن ينتبه المسئول الأسروي والتربوي عما يدور في عالم الطفولة من تأثيرات عميقة وحازمة في الوعي العميق والذاكرة البعيدة التي هي مصدر لصناعة السلوك الإنساني في مراحل لاحقة، وما يتركه هذا التخريب الحسي السلوكي من بصمات مخربة وخادشة للبراءة ستكون بكل تأكيد محرفة للسلوك الطبيعي المستهدف. 
إن حفظ الطفولة وصيانة مشروع المستقبل لا يتم عبر أطلاق الأمنيات المجردة من منهج وبيئة، وتشريع لا يحترم ولا يطبق إلا في حالات اللجوء الفردي للقضاء، بل على المجتمع أن يعي مسألة مهمة وهي أن الأعتداء الموجه ضد الطفل وتحت أي يافطة أو تبرير هو هدم وتخريب في أسس ونمطية نظام المجتمع، مما يعني تحويل هذه الجريمة من أطارها الفردي إلى كونها جريمة ضد المجتمع ومن الجرائم التي تحارب الإنسانية، وهنا يكون من حق أي فرد أجتماعي وإن لم يكن متضررا أو ممن تمسه الجريمة بأثر له الحق في اللجوء للقضاء وبكل الوسائل، وعند تخلف السلطة الأدارية والحكومية من ممارسة دورها في طلب تطبيق القانون ضد منتهكي ومرتكبي جرائم الماسة بالأمن الأجتماعي أو ضد الإنسانية وفي كل الأوقات وفي جميع الحالات.