القبعات البيضاء: الخيال والواقع

 

منذ اندلاع النزاع السوري ظهرت داخل البلد عشرات من المنظمات غير الحكومية التي تعمل تحت أسماء طنانة وتعلن دعمها لحقوق وحريات السوريين بالإضافة إلى العمل الإغاثي بالإطار المحدد.

في العام 2012 دخلت هذه القائمة المنظمة "الدفاع المدني السوري" التي أسسها ضابط بريطاني متقاعد جيمس لو مزوريه الذي اشترك في الحروب في جميع أنحاء العالم فيما بينها العراق ولبنان وفلسطين.

بعد عدة سنوات تحولت منظمة "الدفاع المدني" إلى خدمة تعمل بشكل منظم ولها الزي والرموز الخاصة والآليات والمعدات. يوجد لـ "الدفاع المدني" 119 مركزا في مختلف المحافظات السورية: حلب، إدلب، اللاذقية، حمص، حماة، دمشق. وتم ترشيح المنظمة لجائزة نوبل للسلام. جدير بالذكر أن متطوعو "الدفاع المدني" يعملون في المناطق التي يسيطر عليها مسلحو المعارضة ويرفضون وصول إليها لـ "الهلال الأحمر" و"الصليب الأحمر".

تعلن "الدفاع المدني" أنها منظمة إنسانية حيادية لا تنتمي إلى أي حزب سياسي أو فيصل مسلح.

من الجانب الثاني تحصل "الدفاع المدني" على استثمارات كبيرة من بريطانيا وألمانيا والدنمارك وهولندا. فيما الممول الرئيسي هو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تدعم المنظمات غير الحكومية في العالم كله. وأكد متحدث باسم البيت الأبيض مارك تونر أن الوكالة قدمت لـ "الدفاع المدني" 23 مليون دولار على الأقل منذ 2013.

تثبت مصادر تمويل "الدفاع المدني" انحيازها إلى طرف الدول التي تستثمر في تطويرها. يعتبر قصف قافلة الأمم المتحدة في حلب 19 سبتمبر مثالا جيدا لانحياز المنظمة حيثما ظهر متطوعو "الدفاع المدني" على مكان الحادث ونقلوا الخبر إلى وسائل الإعلام وحملوا مسؤولية عن الهجوم على الطيران الروسي والسوري بعد اكتشاف عن شظايا القنابل الجوية ورصد تحليق المروحيات السورية في منطقة الحادث. ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن هذه المعلومات. ثم وصلت الحكومة الأمريكية إلى استنتاجاتها استناداً على تقارير المنظمات التي تسمي بـ "سورية".

من الغريب أن فريق "الدفاع المدني" ظهر في المنطقة التي يسيطر عليها مسلحو "جبهة فتح الشام". لكن اذا نظرنا عن كثب نجد السبب لذلك.

تعتقد خبيرة بريطانية بشؤون الشرق الأوسط فانيسا بيلي أن "الدفاع المدني" تستعد الظروف للتدخل العسكري للولايات المتحدة وحلفائها إلى سورية وتعامل بالتنسيق مع الجماعات الإرهابية.

حسب معلوماتها الخاصة، تعمل "الدفاع المدني" في المناطق تحت سيطرة "جبهة فتح الشام" ولا تجاهل جرائم إرهابيين فقط فحسب بل تصنع لهم صورة إيجابية في وسائل الإعلام.

وهناك إشارة أخرى إلى علاقة بين "الدفاع المدني" والإرهابيين. في شهر نسان الماضي منعت الولايات المتحدة مدير "الدفاع المدني" رائد صالح من دخول أراضيها لاستلام على جائزة من منظمة المجتمع المدني "إنترأكشن". اعتبر السبب الرسمي للرفض انتهاء صلاحية تأشيرة الدخول صالح فيما سربت صحيفة "نيو يورك تايمز" أن السبب الحقيقي هو اتهام صالح بتورط في الأعمال الإرهابية.

بجانب ذلك ينتمي الكثير من متطوعي "الدفاع المدني" إلى المجموعات الإرهابية وليس إلى المعارضة المعتدلة. يتداول "القبعات البيضاء" على مواقع التواصل الاجتماعي صورهم وتعليقات التي تثبت هويتهم الحقيقية.

من الواضح أن "الدفاع المدني" ليس منظمة إنسانية بل عبارة عن غطاء تقديم المساعدة للفصائل المسلحة من بينها الإرهابية. بالإضافة إلى ذلك، تستخدم "الدفاع المدني" كوسيلة لإنشاء الخلفية المعلوماتية المراد بها حيث يتناقل الناشطون صور نتائج الغارات الجوية على المستشفيات والمدارس والمساجد على موقع "تويتر" ويحملون مسؤولية عنها على الجيش السوري وحلفاءها ثم تنشر هذه المعلومات المرصد السوري ووسائل الأعلام الغربية.

من الناحية الأخرى، يشكك الصحفيون الكبار بصحة المعلومات الواردة من "الدفاع المدني". نفذت الصحفية الإيطالية المستقلة مارينلا كوريجيا تحقيقا وكشفت عن عدم وجود أي تصريح من قبل  المنظمات الطبية الرسمية حول تدمير مراكزها نتيجة للغارات الطيران السوري أو الروسي. أما المباني التي دُمرت فما كانت عليها الإشارات أو العلامات المناسبة. وصل المحللون الإيطاليون إلى استنتاج أن تواجد هذه المباني في مناطق وجود المسلحين واستخدامها كمستشفيات ميدانية وليس لديها علاقة بنظام الصحة الحكومي أو المنظمات الدولية مثل "الصليب الأحمر."

من الواضح أن "الدفاع المدني السوري" لا تحقق أهدافها المعلنة بقيادتها. إلى جانب العمل الإنساني يعمل متطوعو "الدفاع المدني" مع الجماعات الإرهابية.

بالطبع، تثير صحة المعلومات عن الهجوم على قافلة الأمم المتحدة في حلب والاتهامات الأخرى تجاه الطيران السوري وحلفائه شكا كبيرا. لا بد من تنفيذ تحقيق الأمم المتحدة استنادا ليس على معلومات "الدفاع المدني" بل على المعلومات الموضوعية الناتجة عن كافة الأطراف.

على هذه الخلفية تتلاشي صورة المنقذ في "القبعات البيضاء" المصنوعة بوسائل الإعلام الغربية من أجل إظهار الواقع: مؤيدو الإرهابيين يلبسون زي المنظمة الإنسانية.