خواطر -٨٠ حينما يُظلِم المرء من الداخل هل يبحث عن البريق

 

 

تسير المجتمعات الشرقية والغربية نحو التعتيم الداخلي للفرد  الغير مقصود لكنه يجري حسب ما تتطلبه الحياة المعاصرة ، فكلما كثرت المصانع والتكنولوجيا الحديثة  وكلما إزدادت الإنارة الخارجية وإنتشر شعاعها في كل بيت وشارع قلت الإنارة الداخلية للفرد العادي فهو لا وقت لديه لمحاسبة نفسه أو للحوار معها ، ولا وقت لديه لملاحظة وتربية أولاده ، ولا حتى لطبخ وجبته أو خياطة ثوبه ، فهو لا يستطيع الرؤيا من الداخل فنوره الداخلي قد بدأ ينضب زيته . فالمجتمع ينوب عن الفرد بكل هذا فهو يصنع له غذاءه ويربي أولاده ويحاور نفسه عنه ، فهنا لا يسمع الفرد نفسه ، ولن تقول له نفسه  هذا صحيح وهذا خطأ ، كما تقدم له شبكة المعلومات ما يحتاجه لصياغة ذوقه الخاص والعام ، فهي تحدد له ما يحب وما يكره ومن ينتخب ومن لا ينتخب ، وعلى هذا الأساس تأتي قراراته جاهزة مصنوعة من خارج إرادته ، فالقناعة هنا تُقسَر على الإقتناع ، والقرار هنا لمن يدير المجتمع حيث يدار كمصنع واحد في غرفة سيطرة واحدة وقد يدير هذه الغرفة رجل واحد أو مجموعة ميزت نفسها عن المجتمع بوسيلة القوة أو المال فأصبحت تدير عقول الجميع . وقد تدير هذه النخبة المجتمع نحو الإتجاه الصحيح أو إلى العكس . لذا أصبحت أذواقنا متشابهة ومعلوماتنا متناقلة وفكرنا واحد ، فقد يندفع مجتمع ما نحو حالة الحرب أو السلام ، وقد يندفع مجتمع آخر نحو العلو التكنلوجي أو النكوص الحضاري ، وقد يتسم مجتمع بشفافيته وإنسانيته بينما يندفع مجتمع آخر إلى الهمجية والقسوة والشراسة ، وليس بالضرورة أن يكون هذان المجتمعان يحملان إرثاً حضارياً لهذا أو ذاك ، بل هو صناعة مبتكرة قد يبتكرها قادة سياسيون أو شركات إنتاجية إحتكارية أو مفكرون مهووسون أو مفكرون يحملون مشاعل الحضارة الإنسانية الراقية . فالمنحنيات الحضارية والصعود الفجائي إلى الأعلى يحتاج أيضاً إلى فعل فاعل يدير حركة المجتمع سلباً أو إيجاباً .

أما في مجتمعاتنا الشرقية  فالأكثرية منا هم من يحملوا نوراً داخلياً وهم من يفكر ويحاور لكنه لا يحاور بصوت عالِ ، بل يبقى حوارهم الداخلي  خافتاً إلى حد الهمس ، فلا يساهم بتغيير ولا في إدارة حركة المجتمع ، وما أكثر هؤلاء في مجتمعاتنا الشرقية أو ما تسمى بالمسميات التالية ( المجتمعات النامية أو المتخلفة أو دول العالم الثالث ) ، فينكفئ وعاء النور لديهم ليحرقهم من الداخل متحملين آلام الحريق لكنهم لن ينبسوا بكلمة لأنهم ليسوا في مواقع التغيير وقد أحاطت بأنوارهم حُجُب كثيفة تمنع نورهم من الوصول إلى العالم الخارجي لكنهم يتهامسون أحياناً مع بعضهم البعض بهمس تحذيري يدق للآخرين الناقوس بقولهم الداخل إلى أراضينا مفقود والخارج منها مولود .

 

============================