التاريخ يعيد نفسه ..الشاهد مدينة لوزان والزمان والمكان فندق "بالاس بوريفاج"!؟"
 
هل هي مصادفة  أم ان التاريخ يعيد نفسه ،فالفندق ذاته الذي استضاف اتفاقية "لوزان" بين تركيا والحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى يستضيف اجتماعات جديدة حول سورية" ففندق "بالاس بوريفاج" الشهير في مدينة لوزان السويسرية، سيستضيف اجتماعًا حول سوريا بمشاركة وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول المنطقة، وهو نفس الفندق الذي وقعت فيه اتفاقية لوزان التي رسمت حدود الجمهورية التركية ،ويحظى هذا الفندق بشهرة كبيرة، نظرا لاستضافته المحادثات بين كل من تركيا وبريطانيا وفرنسا، وانتهى باتفاقية تاريخية عُرفت حينها بـ" معاهدة لوزان" عام 1923.
 
 
 
وليس بعيدآ عن هذه المؤتمرات وتفاصيلها الـتأمرية التاريخية ، عقد في عام 1923، اتفاقا  عرف باسم "معاهدة لوزان" لتعديل الحدود، التي أقرت في معاهدة سيفر، تم بموجب معاهدة لوزان التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية، إضافة إلى بعض المناطق التي كانت قد أعطيت لليونان في المعاهدة السابقة، ولقد قسمت بموجب هذا الاتفاق وما تبعها سوريا الكبرى والعراق إلى دول وكيانات سياسية كرست الحدود المرسومة على الأقل لليوم الذي أكتب فيه هذا المقال.
 
 
 
في تاريخ 30 /04 /2015، كشفت مجلة «تايم» الأمريكية في تقرير موسع من ثماني صفحات ،عن تفاصيل خطة تقسيم العراق إلى ثلاث دول، واحدة منها في الشمال لكوردستان، والثانية للسنة بمحاذاة سوريا، أما الثالثة فللشيعة ومكانها في جنوب العراق وتضم مساحات واسعة منه، ومن الجدير بالذكر هنا، أن مجلة «تايم» التي تعبر في اغلب الأحيان عن وجهة نظر الإدارة الأمريكية، تحدثت في تقريرها عن ضم المناطق الكردية في سوريا إلى الدولة الكردية ، إضافة إلى ضم بعض المناطق السنية في شرق سوريا للدولة السنية العراقية، ونشرت المجلة خرائط مفصلة توضح مناطق توزيع الكرد والسنة والشيعة، وعدت بغداد من ضمن الدولة السنية، أما كركوك فكانت داخل الدولة الكردية لكنها على خط التماس مع دولة السنة، أما الدولة الشيعية الجديدة ، فهي ستتجه جنوبا حيث تصل إلى الكويت، لتستقطع مناطق حيوية منها إلى أن تصل أيضا إلى ضم بعض أجزاء من شمال شرق السعودية.
 
 
في التاريخ العربي الحديث هناك ظواهر عدة، أثبتت أن حديث ومخططات تقسيم وتفتيت الوطن العربي قد أصبحت بالفعل عقيدة ورأس حربة جديدة للاستعمار الصهيو-أمريكي الجديد للمنطقة العربية، والدليل هو ما جرى أخيرا في العراق، فقد قدمت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي مقترحا للتصويت على مشروع قانون يقسم العراق، ويتعامل مع الأكراد والسنة في العراق كبلدين منفصلين عن بغداد، وهذا الطرح هو تمهيد مبدئي لتحقيق مشروع نائب رئيس الأمريكي جون بايدن في تقسيم البلاد إلى أقاليم على أسس طائفية وعنصرية وقومية، ويأتي هذا الطرح استكمالا لمشروع كان قد صوت عليه مجلس الشيوخ الأمريكي كشرط لانسحاب القوات الأمريكية من العراق في 29 /09 /2007م، وينص على تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات سنية في أجزاء من وسط وغرب وشمال العراق، وشيعية في أجزاء واسعة من وسط وجنوب العراق، وكردية في أقصى شمال العراق، وهذه الحقيقة الآن لا تقبل التشكيك فالوقائع على الأرض وتغير العامل الديمغرافي على الأرض العراقية يؤكد للأسف كل هذه الحقائق.
 
 
وهنا وبعد توضيح هذه الحقائق حول نوايا هذا المشروع وتوظيف نظرية التقسيم الطائفي والديني والعرقي، وعدم إغفال حقيقة أن هذا المشروع الآن هو قيد التنفيذ ويتم التمهيد لفصوله وأهدافه المستقبلية بشكل متسارع، وأن العمل فيه يسير الآن بشكل واسع وقد تم فعلا خلق بيئة ديمغرافية وبؤراً جغرافية على أرض الواقع لإقامة هذا المشروع على أرض الواقع في الوطن العربي، والهدف اليوم للكيان الصهيوني وحلفائه بواشنطن من وراء نشر هذه الفوضى المصاحبة لربيع العرب بالوطن العربي، هو تأمين كيانهم المدعو بدولة «إسرائيل» في المنطقة وتوسيع نفوذه إلى أقرب نقطة يقدر من خلالها أن يكون هو السيد المطاع لمجموع ثلاثة وأربعين كيانا عرقيا ومذهبيا ودينيا تسعى الآن أمريكا وبالتعاون مع بعض المستعربين والمتأسلمين لتأسيسها بالمنطقة العربية، فلقد وضع بعض قادة العالم بالغرب الذين ينتمون للحركة الصهيو -ماسونية خططهم لتقسيم الوطن العربي منذ أمد بعيد لتتوارثها الأجيال الصهيو – ماسونية جيلا بعد جيل.
 
 
إن هذه التفاصيل المذكورة أعلاه وبمجملها، تؤكد بما لا يقبل الشك أن هناك مسارا فعليا اليوم لتنفيذ المشروع الصهيو -أمريكي، الذي يهدف إلى إضعاف العراق وسوريا، وتمزيقها وتفتيتها كنقطة أساس لتمزيق وتفتيت المنطقة العربية ككل، وهذا ما يؤكد بما لا يقبل الشك أيضا، أن الهجمة التي تتعرض لها المنطقة العربية والإقليم ككل، هدفها بالأساس هو تمزيق هذه المنطقة خدمة للمشاريع الاستعمارية الصهيو -أمريكية.
 
 
 
ختامآ، يقول عراب الصهيونية الأمريكي المتصهين برنارد لويس في أحد كتبه المنشورة قبل ما يقارب الثلاثة عقود من الآن، شارحا طبيعة ومسارات الغزو المستقبلي الصهيو -أمريكي للمنطقة العربية، ويقول فيها: «إن الحل السليم للتعامل مع العرب المسلمين هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور، فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة، لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، وإنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الفعل عندهم، فنحن نضمن أن عملاءنا أنجزوا كل شيء ولم يبق علينا إلا التنفيذ الآن، ولذلك يجب تضييق الخناق علي هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، التي أسس لها حكامهم، لذلك يجب أن تغزوها أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة الاسلامية فيها ».
 
فهل تصحو أمة العرب قبل أن تغزوها وتقسمها وتفتتها وتهجر وتذبح شعوبها أمريكا؟ السؤال سيترك برسم الإجابة لدى كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج.