دولة ورئيس!! |
ان موضوع البحث في تحديد أصل نشأة الدولة واساس السلطة فيها ، قد يكون موضوعا تختلف فيه الكثير من الشعوب والدول بسبب وضعها وتقاليدها وثقافتها وخاصة فيما يتعلق برئيس الدولة وكيفية وصوله الى هرم الحكم، وذلك لان معرفة الظروف والعوامل التي ادت الى ظهور الدولة يؤدي في نفس الوقت الى تحديد الاساس الذي تقوم عليه سلطتها .وسلطة الحاكم كما ان الدولة لا تنشأ بكامل اركانها الا بعد قيام السلطة السياسية على اقليمها ورسم حدودها واقامة القوانين وبناء المؤسسات المرتبطة بالدولة
وقد اختلف فقهاء القانون الدستوري بشأن تحديد أصل نشأة الدولة واساس السلطة فيها ، وتمركزت آرائهم حول اتجاهات متمايزة ، تركزت في النظريات الثيوقراطية التي استغلت الدين لغايات سياسية ، او النظريات الديموقراطية ، ونظرية القوة ، والاجتماع وغيرها
اما من جانب النظريات الثيوقراطية
تتلخص الى ان الدولة هي نظام الهي ، وان السلطة فيها مصدرها الله ،وان الارادة الالهية هي التي منحت الحكام السيادة والسلطان
لقد استخدمت هذه النظريات لتعزيز سلطة الملوك وتبرير استبدادهم ، وعدم فرض رقابة عليهم وعلى اعمالهم ، طالما هم غير محاسبين الا امام الله ، على اساس ان طبيعتهم تسمو على الطبيعة البشرية وارادتهم تعلو على ارادة المحكومين
واذا اتفقت النظريات الثيوقراطية في تأسيس سلطة الحكام على اساس ديني ، الا انها اختلفت فيما يتعلق باختيارهم . فنظرية الطبيعة الالهية للحاكم تعتبره الها لشعبه فتكون سلطاته مطلقة عليهم وعلى اقليمهم ، فهو صاحب السلطة والسيادة أصلا . وقد قامت المدنيات القديمة عموما في العراق ومصر وبلاد فارس والهند والصين وروما . على هذا الاساس
اما نظرية الحق الالهي المباشر او التفويض الالهي فإنها تعتبر الحاكم انسان من البشر يختاره الله ويودعه السلطة ، فتكون سلطاته مطلقة ايضا . وقد انتشرت هذه النظرية بظهور المسيحية وتبني رجال الكنيسة لها في بداية عهدها بهدف تدعيم سلطة الامبراطور والخضوع لولائه ، واعتبار سلطته مستمدة من الله ، وان كل سلطة مصدرها الارادة الالهية ، ومن ثم تكون سلطة الحاكم ملزمة لأنه ليس الا منفذّا لإرادة الله ، ومن عصا الأمير أو الحاكم فقد عصا الله ، وان الشعب لا يملك منحهم سلطة الحكم لان الله وحده هو مصدر كل سلطة على الارض
بينما نظرية الحق الالهي غير المباشر او العناية الالهية ، فإنها تعتبر ان الاله لا يختار الحاكم مباشرة ، وانما يقوم الشعب باختياره ولكن عن طريق ارشاده من قبل الاله . وقد اعتمدت هذه النظرية في العصور المسيحية الوسطى من قبل رجال الكنيسة بهدف الحد من استبداد وطغيان الاباطرة والملوك وتطورت النظريات الاخرىالفقهية والفلسفية وامتدت الى ظهور الاسلام وبناء اول دول اسلامية بقيادة النبي محمد عليه واله السلام فجاءت النصوص الالهية فيما بعد الى اعتماد مبدأ الشورى في الحكم طبقا لاحكام القران الكريم والارادة الالهية ايضا بتطبيق مبدأ الوصاية او البيعة بالرغم من اختلاف بعض فقهاء وعلماء الامة بهذا الجانب من جدلية الحكم في الاسلام عن طريق الانتخاب والبيعة المباشرة من قبل جمهور الامة او اوعن طريقة وصية بيعة الحاكم لشخص اخر بصورة مباشرة او اعتماد مبدأ توريث الحكم كما حدثت في فترة الخلافة الراشدية والاموية والعباسية او بما جاء من جمهور اخر من المسلمين بأعتماد مبدأ ولي الامر ما تسمى بولاية الفقيه في الجمهورية الاسلامية الايرانية ، وتعني الحاكم الشرعي الواجب طاعته، وقد يختلف فريق اخر من المسلمين باحقية الحاكم الشرعي للناس هو المعصوم او من ينوبه والبعض ذهب الى التوريث لابناءه وسلالته معتمدا على استغلال الناس من خلال تلك النظريات والاسنادات والظروف الاجتماعية والدينية كما هو الحال في الامبراطوريات والدول الاخرى كاليابان او الصين وروسيا او الدولة العثمانية او دول وامبراطوريات اخرى وبما كان يتمتع به الحاكم او السلطان من قدسية واحترام بما فرضته لهم الظروف والعوامل الدينية والاجتماعية وتوغلوا بالحكم وبسطوا سيطرتهم ونفوذهم وسلطانهم على الشعوب بحكم تلك العوامل والاسباب. او عوامل اخرى ثورية تحررية جاءت بنظريات جديدة وافكار ثورية وصلت الى دفة الحكم واسست لبقاءها في الحكم على حساب شرعية القوة التي جاءت بها من خلال اسقاط تلك الانظمة عسكريا واستيلائها على السلطة مستمدة شرعية بقاءها على اساس القوة وعامل قيام الثورة
ان بعض من هذه النظريات قد استعملت لتحقيق اغراض بعيدة كل البعد عن الجانب الاخلاقي حيث استند اليها الحكام لتبرير سلطانهم المطلق فاستبدوا وظلموا وطغوا . فضلا عن ذلك فان الكنيسة استعملت هذه النظريات لإثبات ان سلطانها يفوق سلطة الحاكم لان الكنيسة تستمد سلطانها من الله مباشرة ، وظلت الكنيسة تحكم أوربا حوالي الف عام تحت هذه الحجة
اما الاتجاه الثاني : فهي النظريات الديموقراطية
تقوم النظريات الديموقراطية على اساس ان السلطة مصدرها الشعب ، ومن ثم لا تكون سلطة الحاكم مشروعة الا اذا كانت وليدة الارادة الحرة للجماعة المحكومة
ولعل من أهم النظريات التي قيلت في هذا الشأن هي النظريات الاجتماعية التي طرحها فلاسفة اليونان ورجال الدين في أوربا بقصد محاربة الملوك لحساب السلطة الباباوية .
او ماطرحته الاحزاب الديمقراطية والبيروقراطية والتيارات المدنية الاخرى الحديثة من خلال الممارسة الديمقراطية للشعب
اما عن مفهوم الدولة العام :فهي مجموعة من الافراد يمارسون نشاطهم الاجتماعي والسياسي والحضاري على بقعة ارض اوإقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي ودستور معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية التي تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الافراد فيها، وينقسم العالم إلى مجموعة كبيرة من الدول, وان اختلفت اشكالها وانظمتها السياسية.
فالدولة هي تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة.و بالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي الحكومة والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة و الاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية منها. وتتسم الدولة بعدة خصائص أساسية لمفهوم الدولة:
1- ممارسة السيادة : فالدولة هي صاحبة القوة العليا غير المقيدة في المجتمع، وهي بهذا تعلو فوق أية تنظيمات أو جماعات أخرى داخل الدولة.
2- الطابع العام لمؤسسات الدولة: وذلك على خلاف المؤسسات الخاصة للمجتمع المدني.فأجهزة الدولة مسئولة عن صياغة القرارات العامة الجمعية وتنفيذها في المجتمع.ولذلك تحصل هذه الأجهزة على تمويلها من المواطنين. والموارد العامة
3- التعبير عن قوة الشرعية : في ما ينظر إلى قرارات الدولة بوصفها ملزمة للمواطنين حيث يفترض أن تعبر هذه القرارات عن المصالح الأكثر أهمية للمجتمع.
4- الدولة أداة للهيمنة : حيث تملك الدولة قوة الإرغام والسلطة والسيطرة لضمان الالتزام بقوانينها، ومعاقبة المخالفين. وفق سلطة العنف الشرعي
5- الطابع الإقليمي للدولة: فالدولة تجمع إقليمي مرتبط بإقليم جغرافي ذي حدود معينة تمارس عليه الدولة اختصاصاتها. كما أن هذا التجمع الإقليمي يعامل كوحدة مستقلة في السياسة الدولية.
6-تعتبر الدولة مسؤولة وملزمة دستوريا ورسميا في حماية الشعب ورعاية مصالحه العامة وتامين كافة مستلزمات الحياة الامنة
السلطة العليا في الدولة
رئيس جمهورية العراق هو أعلى منصب إداري في الهيكل الحكومي للدولة العراقية. وذلك وفق الدستور الذي ينص في مادته السابعة والستين على رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة أراضيه، وفقاً لاحكام الدستور.
وامام ماعرض اعلاه .هل الشعب العراقي انتج دولة حقيقية ورئيس؟
في ظل ما يتعرض له من اخفاقات وانتكاسات كارثية في ظل الصراعات الطائفية والقومية والنزاعات السياسية والاقليمية ؟
وهل رئيس الدولة او رئيس الوزراء يمارس دوره الوظيفي وصلاحياته الدستورية اسوة بباقي روؤساء دول العالم ؟
والحقيقة ان منصب رئيس الدولة في دستور العراق لا يتعدى كونه منصبا بروتوكوليا ومنصبا رمزيا واما مهام وصلاحيات رئيس الحكومة المحكومة بتوافق مجلس الوزراء ورغبات وضغوط الاحزاب الفاعلة والمتنفذة بالسلطة
فهو عاجز عن تنفيذ السياسة العامة للبلد لانها ستعطل من قبل البرلمان بسبب عدم الفصل بين السلطات ولاسباب تتعلق ببعض احزاب المعارضة الذين يقفوا ضد توجهات وسياساته او تدخلات دول الجوار في القرار السياسي
عاجز ايضا عن اقالة الوزراء لانه محكوم بالمحاصصه الطائفية والتوافقية
عاجز عن مراقبة اداء الوزراء وتقديم الوزيرعدم الكفؤ والغير صالح او الفاسد امام البرلمان لوجود توافقات وترضيات تم الاتفاق عليها مسبقا بين قادة الكتل واحزابها تحت مبدأ الشراكة الوطنيه !! وفي ظل هذه الازدواجيات وعدم الفصل بالادارة والسلطة بين السلطلت العليا انتج العراق دويلات ومحميات حزبية داخل شبه دولة متداخلة الاتجاهات والسياسات معقدة التركيبة في ظل هيمنة احزاب السلطة والمليشيات وغياب دور الدولة الحقيقي وسلطتها الفعلية في القرار وبسط القوانين .وما تواجهه من ضعف وهيمنة القرار الدولي والاقليمي على الواقع السياسي الذي اثر سلبا على استقلالها السياسي وجعلها عرضة للتدخل بشؤونها الداخلية وجعلها متخبطة بقراراتها مرتبكة بسياساتها الداخلية والخارجية
ان مفهوم الدولة العصرية او الدولة الحديثة لا ينطبق بمشروعه التكاملي في العراق لان الدولة العراقية تفتقر الى مقومات بناء الدولة المنهجي في الاستقلال والقرار والمهام والواجبات والخصائص التي تقوم على اسسها تركيبة وهيكل الدولة في بنيتها الادارية والتنظيمية الهشة والضعيفة في ظل مؤسساتها العاجزة عن توفير الامن والخدمات والارتقاء بالاقتصاد وحل المشكلات السياسية والواقع المزري في العراق الذي تعقدت وتازمت مشكلاته السياسية والاقتصادية والامنية
فالدولة في معيار العدل الذي يقوم على اسس الامانة والاخلاق والنزاهة والشرعية تفقد كل مقوماتها الشرعية في حالة وجود خلل في منظومة الاخلاق للدولة وفي مؤسساتها الادارية التي انخر بها الفساد وبدات مؤسسات شبه دولة معطلة عن تادية واجباتها الخدمية والاقتصادية والادارية والامنية
وان مفهوم الدولة الحقيقي غائب في العراق في ظل غياب القانون وسطوة الاحزاب وميليشياتها ونفوذ الشخصيات الحزبية والدينية في ظل التناحرات والصراعات الداخلية ومحاولات فدرلة العراق والانقسامات المجتمعية وتوزيع مؤسسات الدولة الى حصص حزبية وفئوية وزعت على الاحزاب الحاكمة والمناصب الارضائية التوافقية واهدار المال العام. لقد انتج الشعب العراقي من خلال ثلاث دورات انتخابية برلمانية دولة معقدة التركيب ايديولوجيا وسياسيا نتيجة الصراع والتنافس الطائفي والقومي المشحون بالانتخابات الطائفية التي جرت طيلة فترة عقد من الزمن ونيف تقاسمت خلالها السلطات وادارة مفاصل الدولة على اسس طائفية واثنية وقومية وحل فيها الفساد والفوضى وسوء ادارة الدولة باخفاق عام شمل كافة مرافق الدولة نتيجة المؤشرات السلبية التي تعاني منها الدولة من تدهور وازمات خانقة على كل المستويات برئيس دولة مغيب دوره كليا وفعليا وضمنيا عن الساحة السياسية وساحة الحكم والادارة الفعلية للبلاد فرئيس الدولة متخم في قصوره الذهبية مشحون بجرعات قومية وتخديرية، غائب عن الوعي مسلوب الارادة الوطنية .فالدولة ورئيسها مجرد وصفان في العراق بلا تمثيل ووصف حقيقي للشعب ومصالحه، والرئيس عاجز عن ادارة الدولة وشؤونها بسبب سوء الادارة وغياب الوعي وفقدان المشروع الوطني للتخطيط لبناء الدولة ومؤسساتها وفق المعايير والضوابط المهنية والاحترافية ،واصبح لزاما على الشعب ان يقوم بتغيير هذه الادوات من خلال القنوات الشرعية والقانونية لاستبدال هذه المنظومة العاطلة واصلاح مسيرة الدولة وشؤونها وفق ما تقتضيه المصلحة العليا
|