للوهلة الأولى ، تبدو محطات الكهرباء النووية اسلوب واعد وواقعي ، بل الحل في مواجهة ظاهرة أحترار الأرض (Global Warming) ، كونها لا تحرر أي من المخلفات المسببة لغازات الدفيئة (Green House) ، بشكل يجعلنا نتسائل عن سبب عدم انتشارها على نطاق واسع لمواجهة أزمة الطاقة التي صارت عالمية ، بسبب تفشي التلوث ، وما رافقه من ضغوط من الجماعات البيئية ، ٳذ توجد ما لا يقل عن 400 محطة نووية لأغراض توليد الكهرباء ، موزعة على 31 بلد فقط ، ولكي نفهم السبب ، علينا مراجعة مبدأ عمل هذه المحطات ، وما يرافقها من ضغوط سياسية . ان الحصول على الطاقة من حرق المواد القابلة للأشتعال للحصول على الحرارة ، لا يرافقها فقدان للكتلة ، ولا تتغير هوية العناصر الداخلة لتلك المادة ، ولا بد من توفر الأوكسجين ، وعليه فالعناصر الداخلة قبل عملية الأحتراق هي نفسها نواتج الأحتراق مع انتاج طاقة ، فمثلا عند حرق غاز (الميثان CH4) وأتحاده بالأوكسجين ، فسيكون الناتج بخار الماء (H2O) و غاز ثاني أوكسيد الكاربون (CO2) ، فالعناصر الداخلة قبل الأحتراق هي (الكاربون ، الهيدروجين ، الأوكسجين) ، هي نفسها النواتج ولكن بصيغ كيميائية مختلفة ، أما في حالة الطاقة النووية ، فأن عملية توليد الطاقة يصحبها (فناء) للمادة وتحولها كليا الى طاقة ، وتكون نواتج (الأنفجار) مختلفة كليا عن العنصر النووي كمصدر ، فعلى سبيل المثال ، فالمادة النووية (المشعة) كوقود ، وهي غالبا ما تكون على شكل فلز ثقيل للغاية (كاليورانيوم) والذي يكون بضعف ثقل الرصاص تقريبا ، يتحول الى عنصري (الهيليوم) و (الباريوم) ، بعد أطلاق طاقة هائلة ، وهو تطبيق مباشر لمعادلة (أينشتاين) المشهورة (الطاقة=الكتلة X مربع سرعة الضوء ، ²E=MC) ولنا أن نتصور ضخامة الطاقة المتولدة اذا علمنا ان سرعة الضوء(C)=300 الف كيلومتر/ثانية ! ، وتدعى هذه العملية بالأنشطار النووي (Nuclear Fission) ، أي أنشطار ذرة اليورانيوم لتكوين عنصرين أخرين مع أطلاق طاقة هائلة .استغلت حماقة الأنسان وميله للأجرام ، هذه المعادلة لتدمير بني جنسه ، فقد جُرّبَت للمرة الأولى والثانية في قصف اليابان من قبل الأمريكان عام 1945 ، الا أن استغلالها للأغراض السلمية لم يتأتى الا بعد نحو عقد من الزمان .قد لا يصدق القارئ الكريم ، أن مادة اليورانيوم متوفرة بكثرة ، فهي توجد في مياه البحر وفي بعض الصخور ، لكن جُرع اشعاعه ليست ضارة كون ذرات العنصر متبعثرة في كمية كبيرة من خاماته ، فحتى (الموز) يحتوي على البوتاسيوم نظير 40 المشع ، لكنه ضروري كمكمل غذائي ، وعند الحصول على اليورانيوم النقي ، يكون على شكل صورتين (نظيرين) ، فالماس والفحم هما نفس العنصر وهو الكاربون ، ولكن بصورتين مختلفتين ، أحد نظائر اليورانيوم هو (U238) وتكون نسبته 99.3% من اليورانيوم المستخلص ، وهو غير معول عليه تجاريا لأنتاج الطاقة ، والصورة الثانية هي (U235) ، وتبلغ نسبته 0.7% ، وهو النظير المطلوب في صناعة الأسلحة ، وفي المحطات النووية . بقي أن تتم غربلة (فصل) اليورانيوم المفيد نظير 235 ، واستخلاصه باعتباره نسبة ضئيلة ، وتسمى هذه العملية (تخصيب اليورانيوم Uranium Enrichment) ، وأبسط تلك الوسائل هي بأستخدام أجهزة (الطرد المركزي Centrifugal Force) ، بتدوير خليط اليورانيوم بسرعة كبيرة لفصل اليورانيوم الأثقل (U238) وطرده الى الخارج ، مقابل الأحتفاظ بنظير اليورانيوم الأخف وزنا في مركز الجهاز ، ولكن كيف نوقظ المارد من قمقمه (مع حساسية هذه الكلمة !!) ، وأطلاق الطاقة الجبارة المختبئة في ذرات هذا العنصر ؟ .
|