المحكمة الاتحادية: الحارس الأمين على الدستور


كان القضاء العراقي و لا يزال يتمييز بحيادته و نزاهته ، بل إن القضاء العراقي كان أحد المؤسسات التي تصدت للنظام المقبور، يشهد على ذلك القاضي "دارا نور الدين" الذي تصدى في ظل الجبروت لعدم دستورية قرارات المقبور و امتنع عن تطبيق القرار لمخالفته للدستور و دفع ثمناً غاليا جزاء تمسكه بالقانون. في الوقت الذي كانت القيادات السياسية التي تدعى النضال ضد المقبور تسرح و تمرح في الخارج منها يتسكع في لندن و منها من يتسكع في غيرها من العواصم العالمية.

و بعد سقوط النظام صبت القيادات السياسية غضبها على كل قاضي عراقي و قانوني لا لشيئ إلا لشعورها بالنقص. فالقضاء تصدى للمقبور في حين أن هذه القيادات شدت الرحال للخارج مع أول تحدي هذا إن وجد تحدي. و هكذا بدأت حمالات التقسيط الاعلامي الحقيرة —وهي الاسلوب الذي تعتمده القيادات الحالية منذ توليها لزمام الامور-  ضد رجال المحكمة الاتحادية و أولهم القاضي مدحت المحمود فهو لا ينتمي لحزب ديني  ورجل دولة و أحد قيادات عراق الداخل المغضوب عليه من رجال السلطة.  فمن وجهة نظر رجال السلطة  يكون كل من بقي في الداخل هو مجرم لأنه كان يؤيد نظام المقبور. و هكذا لابد من تسقيطه و التصدى له. 

و هنا أقول للقيادات السياسية العراقية التي تثير السخرية و الضحك بسبب منطقها الهزيل: كل القانونيين و الحقوقيين يدعمون مدحت المحمود و يقفون معه و نحن نؤيد كل قراراته. و كلنا ندعم قرارات المحكمة الاتحادية. فهل يُعقل أن دولة على في القرن الواحد و العشرين لا تحدد نائب  لرئيس الجهمورية! ماذا لو مات الرئيس ؟ ذهب في زيارة خارج البلاد؟ أصيب بمرض عضال و رقد في المستشفى؟ تبقى البلاد بدون رئيس!! إن وجود نواب للرئيس يحقق التوازن المطلوب في العملية السياسية! فكل منصب له نائب بمما فيها رئيس الوزراء و الوزراء. 

لكن العبادي و من حوله خائفون من النواب لأنهم أكفاء و لديهم شعبية و الكثير منهم تصدى للمليشيات الحقيرة التي تعيث في الأرض فسادا بعيدا عن سلطة القانون و سيادته. و هكذا لما وقفت المحكمة الاتحادية مع الدستور و طبقت نصوصه ثارت ثورة من لا يحترمون  القانون و بدأوا بتهديد المحكمة و اعضاء شأنهم شأن كل من يمتلك القوة و السلاح و يتخذ العنف و التهديد و الوعيد وسيلة لممارسة السياسة.فأي قرار لا يروق لهم يهددون بالسلاح و العنف و التظاهر و النيل من كل من يختلف معهم بالرأي. و بعكسه فلماذا لا يحترمون قرار المحكمة. 

إن الاصلاح لا يعني تجريد الدولة العراقية من المناصب التي نص عليها الدستور! حسناً يقول من يدعي الاصلاح إن النواب يكلفون الدولة مبلغا و قدره. طيب خلال الفترة التي حرّم النواب فيها من رواتبهم على ماذا صرفت الاموال؟ على حزب الدعوة و مقراته  الفارهة! على مخصصات رئيس الوزراء الذي يمتلك صلاحيات مالية تفوق الخيال فهو قادر على صرف مبلغ ثمانيمائة مليون دولار (مليار إلا مائتين) من صندوق تنمية العراق لمرات غير محدودة لكن هذه الصلاحيات لا يشملها الاصلاح!! لأن الاصلاح يستهدف التخلص من كل منافس يمكن أن يخوض الانتخابات القادمة و يفوز. 

فماذا جنى الشعب العراقي لحد هذه اللحظة من زوبعة الاصلاح؟ لا شيئ فالرواتب لا تصرف و التقاعد توقف و الموظفون مهددون باجازة اجبارية و الدولة العراقية تم تخريب مؤسساتها بحجة التوفير و التقشف الذي يُطبق فقط على مؤسسات الدولة لكن مؤسسات حزب الدعوة تزهو بالعز و الرفاهية على حساب الشعب و من خزينة الدولة. 

حزب الدعوة يمتلك أكثر من خمسين مقر في بغداد وحدها يحرسها رجال اشداء و داخلها يعمل موظفون فيها أحدث اجهزة الحاسوب و مولدات الكهرباء و الاثاث الفاره و السيارات الفخمة المضادة للرصاص خزان الوقود فيها ممتلئ دائما و يقودها سواق على أهبة الاستعداد. كل هذه المصاريف لا تكلف خزينة الدولة بل هي سهلة و بسيطة ! أما قنوات حزب الدعوة الفضائية منها قناة بلادي و قناة آفاق فهي لا تكلف الدولة فلسا واحدا من حجز مواقع على الاقمار الصناعية شراء اجهزة و معدات و كاميرات و اثاث رواتب الموظفين و السكرتارية و المراسلين و المذيعين و السيارات التي تنقلهم لموقع الحدث كل هذا لا يكلف الدولة لكن رواتب المفوظفين و تقاعد الناس و إي منصب لمنافس شريف يكلف الدولة. لقد اصبحت " التكلفة" تشبه البطاقة الحمراء التي يرفعها الحكم في مباراة كرة القدم لطرد اللاعب! فالعبادي طرد أكثر من أربعمائة ضابط من الداخلية لأن عجلاتهم تكلف الدولة بانزين بمبلغ و قدره!!! فهل يجب على الضباط أن يدفعوا من رواتبهم ثمن البانزين في دولة منتجة للبانزين!!! أن سوريا التي تقاتل من عام 2011 قادرة على دفع ثمن البانزين لسيارات الشرطة و الدفاع المدني و الاسعاف و الاطفاء و نفس الشيئ يقال عن افغانستان. فهل تدنى العراق لحد أنه أصبح أعجز من أن يدفع ثمن البانزين لسيارات الشرطة!! ترى كم يكلف بانزين سيارات رجال حزب الدعوة أم أن سياراتهم تعمل بالماء و ليس بالبانزين! 

تحية تقدير و احترام للمحكمة الاتحادية لوقفتها الجرئية ضد التفرد بالسلطة ضد الهجمة الشرسة على مؤسسات الدولة العراقية. تحية اعتزاز و أكرام للمحكمة الاتحادية التي تصدت للجهات الظلامية التي تريد إعادة العراق لفترة الحزب الواحد و الرجل الواحد. تحية اكبار للمحكمة الحارس الامين على الدستور و حامي حمى القانون. للمحكمة أقول كلنا معكم : كل القانونيين و الحقوقيين و المثقفين و المخلصين للدولة العراقية. و لنا وقفة.