كتبت لمرات كثيرة في موضوع تراجع التعليم عموما في العراق وتألمت اكثر في كل مرة أقرأ تقييما دوليا يشير الى تؤخر وتقهقر العملية التربويه برمتها ابتداء من مناهج واساليب التربية في مدارس رياض الاطفال وانتهاء بأساليب وأدوات البحث العلمي في الجامعات , وفي مرات عدة أشرت الى أن مستوى التعليم في العراق صار حاله حال التعليم في دولة الصومال المتحدة العظمى ؟ وبسبب كلامي هذا زعل مني العديد من الاكاديميين وبعض المتابعين , وكنت اتمنى أن يصبح التعليم بكل انواعه لدينا حاله حال اقرب الدول المجاورة في اقل تقدير , ولا اريد هنا الخوض في اسباب التراجع الخطير في مستوى التعليم في العراق , فقد أشرت اليه في عدة مقالات سابقة وصرخت باعلى صوتي من مختلف المنابر منبها ومحذرا ولكن دون ان أجد أذنا صاغية , بل الكل يصر على تجاهل الموضوع والتسليم بأن لا حل يلوح في الافق لتحسين واقع التعليم طالما بقيت المنظومة نفسها دون اصلاح جذري ودون تخطيط حقيقي بعيدا عن الارتجالية والحزبية وقرارات الصدفة والمحاصصة المقيتة . ولم يكن مصادفة ان يؤشر مؤتمر جودة التعليم العالمي الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس المنعقد في ايلول 2015 عن تدني التعليم وجودته في اغلب الدول العربية ؟ بل ان العراق الى جانب الصومال وسوريا, لم يدخل مؤشر دافوس اصلا لآننا ببساطة لم نحصل على أي نقاط تجعلنا ندخل المنافسة حتى ولو على المراتب الاخيرة !! . أننا نحتاج الى ثورة هائلة في مجال التعليم , وعلى كافة المستويات وأن نستلهم التجارب العالمية الناجحة التى احدثت تغييرا كبيرا في تلك الدول وجعلتها في المقدمة كالتجربة السنغافورية مثالا واضحا , علينا أن نقيم أنسب التجارب العالمية بما يتلائم مع واقع العراق الصعب , وأن نغير كل الاساليب العقيمة والنمطية والمتخلفة بدءا من المناهج القديمة, وطرق التدريس المتخلفة, ومرورا بتدريب الكوادر التعليمية وتوفير الاحتكاك المطلوب لهم مع التركيز على التخصصات النادرة ومتطلبات السوق وفرص العمل , وانتهاء بأختيار العناصر القيادية التي تتحلى بالكفاءة والعلمية والرصانة بعيدا عن حسابات القبيلة والتحزب والطائفة والمذهب , ولنكن اكثر جرأة بالقول ان هناك الكثير من القيادات التربوية في التعليم الاساسي والجامعي هي نفسها جزءا من المشكلة, فهي تشكل احد اركان منظومة التخلف والتراجع والسبب معروف للجميع هي المحاصصة وشراء الذمم والمناصب التي تباع وتشترى جهارا نهارا وعلى مرأى ومسمع الدولة ورجالاتها , والكل يعلم ويسكت وينافق ويجامل ,والثمن هو تراجع المنظومة التعليمية وانهيارها. اذا ما اردنا أن نصلح مسار العملية التربوية برمتها أن نكون جريئين في التشخيص والعلاج, علينا أولا أن نجعل وزارات التربية والتعليم بعيدة عن أي محاصصة من خلال تعيين الوزراء ووكلاءهم ورؤساء الجامعات ومساعديهم وعمداء الكليات وصولا الى أبسط موظف ممن من اهل الاختصاص وأن يكونوا تدرجوا في وظائفهم, لا أن نأتي بوزراء من حصة هذا الحزب أو ذاك التحالف, , وأن نغير كل تلك الوجوه التي وصلت الى مراكزها بغفلة من الزمن وكلنا نعلم كيف وصلوا الى تلك المناصب ؟ وأن نطبق معايير التعليم الدولية في كل الدوائر التعليمية , وأن ندخل الأساليب الحديثة لمدارسنا وجامعاتنا, وأن نعترف أن معظم البحوث العلمية ومشاريع التخرج هي ليست علمية ولا تمت للعلم بصلة !! وأن نجعل الجامعات مصانع وورش عمل للبحوث والتجريب , وان نفعل الاحتكاك مع الجامعات العالمية لاكتساب الخبرة المطلوبة لكوادرنا التدريسية , علينا أن نتوسع في التعليم الجامعي عموديا لا افقيا ؟ فمن غير المعقول أن يكون هذا التوزيع الفوضوي لجامعاتنا , ومن غير المعقول أن لايتم التركيز على الدراسات التخصصية النادرة التي يحتاجها فعلا المجتمع , علينا ان نتحلى بالشجاعة بأن ندمج بعض الكليات والجامعات لتوحيد الجهود العلمية وتركيزها , علينا أن نجعل السياسة التعليمية غير خاضعة لسياسات الحكومات وامزجتها , وأن نمنع التدخلات من أى طرف كان , علينا العودة سريعا لمعايير الهيئات الدولية الخاصة بتطوير التعليم , علينا أن نستنسخ تجارب ناجحة صارت مضربا للامثال في تطوير بلدانها . وقد لا يعلم الكثير أن دولة صغيرة مثل قطر صارت تنافس دولا متقدمة في تصنيف التعليم ؟ وقد لا يعلم الكثير أن جامعات في ايران صارت تتفوق بمستواها العلمي وبحوثها على جامعات عريقة في امريكا واوربا!! حيث احتلت جامعة شريف الهندسية الايرانية مرتبة متقدمة جدا في تصنيف الجامعات العالمية بينما لم تدخل معظم جامعاتنا التصنيف العالمي اصلا ؟؟ مما يؤشر خللا كبيرا وواضحا. ولقد أستبشرنا خيرا بتعيين وزير التعليم العالي المعروف بجديته لتطوير التعليم العالي لكنه اصطدم بسياسات عمياء فوضوية تريد خلط الاوراق لكسب مصالح حزبية او انتخابية معروفة ومكشوفة للجميع ؟؟ . أن على كل الاطراف احترام سياسات التعليم التي ترفع من شأن الجامعات العراقية وتحسن من مستوياتها وتدخلها مصاف الجامعات المتقدمة , ومن غير المعقول أن نؤسس لدور ثالث ورابع للامتحانات , وأن نمنح عشر درجات لتغيير حالة الطالب ,فهذه من أكبر ألاخطاء التي ترتكب بحق التعليم في العراق . على الجميع احترام المعايير الدولية التي يجب على العراق اتباعها اذا ما اراد تطوير مدارسه وجامعاته حتى تكون للشهادة العراقية قيمتها واحترامها في الخارج, فمن غير المعقول أن نستمر بسياسة أرضاء هذا وذاك ممن فشلوا مرارا وتكرارا في اجتياز امتحانات الدور الاول والثاني ؟؟ يجب العمل على رد الاعتبار للشهادة العراقية التي صارت عبئا على صاحبها ولا احد يعترف بها بسبب السياسات التخريبية الطائشة المتعاقبة . علينا أن نؤسس لبناء قيادات تربوية وجامعية لا هم لها سوى تطوير التعليم والبحث العلمي وفق اسس رصينة عالمية , فمن غير المعقول أن نبقى ندور في فلك الصومال؟ ومن غير المعقول أن نخضع لامزجة هذا وذاك ممن لا يفقهون معايير التعليم العالمية ,وهمهم الوحيد التدخل سلبا في سياسة التعليم لكسب أكبر عدد من الاصوات الانتخابية ؟ ومن غير المعقول ان أعيش كل حياتي دون أن أشاهد رئيس جامعة وهو يناقش انشاء مركز بحثي متخصص يخدم المجتمع ويطور جامعته , لا أن يظهر فقط في يوم الجامعة وهو يحمل مقصا جديدا ليقطع شريط افتتاح الاحتفال وسط المئات من البالونات الملونة واوراق الزينة , وكأنه يقطع شريط تحرير مدينة القدس من ايدي مغتصبيها الصهاينة ؟؟؟ الى متى احلم برؤية رئيس جامعة يحضر دون سابق انذار الى كليات جامعته للاستماع مباشرة الى كادرها بما يسهم في تطوير عملها, ودون أن يحضر معه شلة المصورين والمطبلين والمهلهلين بمقدمه ودون ان يكون مرتديا (القاط والرباط ) ويضع نظارات سوداء رغم انه مصاب بقصر النظر المزمن ؟؟؟؟ .
|