المُلا عثمان والموصل والجيش |
الملا عثمان الموصلي، ولد عام 1854م، توفي ابوه السقاء، وأصيب بالجدري وهو في السابعة من عمره، ففقد بصره وفقد بيته، ليضمه جارهم محمود أفندي العمري (شقيق الشاعر الشهير عبد الباقي العمري) الى أولاده. ومن إعجاب العمري بصوته يخصص له معلما في الموسيقى، فينبغ ويحفظ القرآن والاشعار والقصائد، ويجيد مع العربية اللغتين الفارسية والتركية.
يتوفى العمري عام 1885م فيقصد الملا بغداد، وفيها يدرس على يد الشيخ الكبير محمود شكري الآلوسي، ويقرأ المواليد ويذهب الى الحج، ثم يؤوب الى الموصل فيتعلم الطريقة الصوفية القادرية ويقرأ القراءات السبع، ويسافر الى اسطنبول ومن هناك الى مصر فيتعلم القراءات العشر والتهليل والتحميد، ويصدر مجلة اسمها (المعارف).
يعيد الكرة مرات الى اسطنبول، وينتبذ جامع (آية صوفيا) ويتقرب من البلاط ومن السلطان عبد الحميد شخصيا. ومع مستهل القرن العشرين يذهب الى مصر ثانية فيلتقي عبده الحامولي وسيد درويش ويعلمهما الموشحات. ويأخذ سيد درويش منه اللحن الشهير (زوروني كل سنة مرة) اذ كان المُلا يغنيها بكلمات مديح للرسول (زر قبر الحبيب مرة). ثم يأخذ منه سيد درويش والآخرون جملة ألحانه الدينية ويركبون عليها كلمات جديدة، وهي (طلعت يا محلا نورها) و(أسمر ابو شامة) و(فوك النخل فوك) و(ربيتك زغيرون حسن) و(يا أم العيون السود) و(البنت الشلبية) و(قدك المياس يا عمري) و(يامن لعبت به شمول).
كان المُلا عثمان يرتدي ملابس رجال الدين، ولم يبدلها أو يتركها طوال حياته، لأنه كان رجل دين وكان شيخ قراء القرآن. ومع ذلك كان مغنيا كبيرا وملحنا ممتازا وعازفا بارعا على العود والطبلة والقانون والناي. وكان فوق هذا لاعب شطرنج ماهرا.
توفي الملا عثمان عام 1923، وقد أقيم له في السبعينات تمثال زاهٍ في مدينته الموصل، ولكن الاوباش الدواعش هدموا التمثال الشامخ في تموز من عام 2014. وإني لأراه – الآن – مغادرا قبره، ومتوجها ليرتقي نصبه، ويمسك عوده الحميم وهو يغني مخاطبا جيشنا الذخر البطل:
عيونك سود يا محلاهم
قلبي متلوع بهواهم
صار لي (سنتين) بستناهم
حيّرت العالم في أمري
قدك الميّاس يا عمري |