محد عايش غير الله

 

عبارة اطلقتها مسنة ترقد في مستشفى  حكومي تعاني من كسر في ساقها تنتظر دورها الذي طال لاجراء عملية جراحية .

 

سمعتها عندما كنت أرافق والدتي في ألغرفة المجاورة بالجناح الخاص والذي هو عبارة عن قاعة مقسمة الى اربع غرف تفصلها قواطع من الالمنيوم مكشوفة السقوف تم تصميمها  بطريقة بدائية هذا مابدى لي فالأصوات تتداخل مابين الغرف الأربع في تلك القاعة التي تفتقر لكل المقومات التي تسهم في تخفيف الضغط النفسي على المرضى . كانت الساعة الثانية صباحا” رددت  المريضة تلك العبارة التي تنم عن معانات مريرة وحكمة عميقة  لفهم مايحدث في البلد  اخترقت مسامعي دون قصد عندما اصابني الأرق والحزن بإطلاقها استغاثة يائسة  وهي تعتصر ألما” تطلب الرحمة بإسعافها في المشفى الحكومي الذي يضم كوادر طبية كفوءة قادرة على اجراء اصعب العمليات الجراحية  بنجاح لكنها تعاني من قلة  الأجهزة والمستلزمات الطبية والخدمات التي تسهم بشفاء المريض على الوجة الأفضل دون حدوث مضاعفات . يأس المصابة  نتج عن قلة العناية الطبية  بتجاهل معاناتها وهي في ارذل العمر فضلا” عن جحود الأبناء  في يومنا هذا فقد كانت ابنتها المرافقة لها تؤنبها كلما رفعت صوتها من شدة الم ساقها تهددها بتركها وحيدة  تواجه مصيرها في المشفى والأم تستدر عطفها لتبقى الى جانبها  واسباب أخرى  يبدو انها قد تراكمت في اعماق دواخل تلك المسنة ابرزها ومن خلال قراءتي لنبرة صوتها وهي تطلق عبارات الإستغاثة هي الفوضى التي تعم البلد وترعب الأسر الآمنة عندما تصلهم دون استئذان عبر وسائل الأعلام المرئية والمسموعة والمقروءة  ومواقع التواصل الأجتماعي  تنذر بحرب (داعشية) ثالثة .

 

كل ذلك لخصته هذه المرأة  بتلك العبارة  العفوية المقتضبة العميقة التي وصفت  بها مايحدث  من حولها من فوضى عارمة  خلفت المزيد من الدمار والرعب والتهميش لتك الشريحة  الأمر الذي  جعلني امسك بورقة وقلم لأكتب لكم عما حدث في تلك الليلة الطويلة علها تقع بين ايد الخيرين من ابناء الرافدين والذي أستذكرت فيها ما حذرت منه الكاتبة الصينية الباحثة في مجال اختصاصها والمتخصصة في مجالات العولمة وآثارها على الحكومات حول العالم ايمي تشوا  في كتابها عالم يحترق بقولها : ان ( العولمة لاتمثل الوصفة الشافية للأوضاع المتردية التي تسود العالم او انها تجعله اكثر امانا” وان الديمقراطية قد تجلب الى السلطة حكومات قائمة على اسس طائفية وسياسات انتقامية لاتتوانى عن قتل الألآف ومصادرة الممتلكات ) .  تشوا تعطي امثلة على ذلك ومنها ماحدث في رواندا عام  1994 عندما ارتكب الهوتو الذين كانوا يعانون  عقود طويلة من الفقر والحرمان والأذلال مجازر وحشية ضد التوسيين الذين كانوا يهيمنون على الأسواق يوم ذاك فضلا” عما حدث في اندنوسيا عندما ثارت الأغلبية الفقيرة ضد الأقلية من الأثرياء الصينيين وقتلت الآلاف منهم وأحرقت ممتلكاتهم . أن توصيف تشوا ينطبق تمام الأنطباق على ما يحدث الآن في العراق واغلب دول العالم من هتك ومصادرة حقوق الفرد من أهمال وتهميش لاسيما لكبار السن واشكال العنف الذي تتعرض له النساء والأطفال منزليا” ومجتمعيا” والذي ظهر جليا لتلك المسنه عندما عاشته متراكما انطلق من اعماقها بصرخة يائسة دوت بأرجاء الجناح الخاص لذلك المشفى الحكومي لخصتها بعبارة (محد عايش غير الله )

 

لله ذرك ياعراق وصبرا” جميلا” ..