جَمرٌ تحت الرماد

 

كلمة ((غش))  تعني مجمل تصرفات خادعة وخسيسة يقوم بها الفرد للوصول الى غايات غير شرعية او عرفية واستغفال الاخرين  ولا يختلف عِراقيّاّنِ اثنان عن مدى استفحال هذه الظاهرة في كل مفاصل جسد الدولة وعنصرها الرئيس ((الشعب)) وخصوصا بعد دخول الديمقراطية المغشوشه على ظهر الحمار المغشوش . وتناول هذه الظاهرة ((الآفة)) ليس بالامر اليسير وذلك لتشابك اسبابها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية حيث استفحلت وكأن النفق حالك لامخرج منه الى فضاء الوعي والنور  تحت وطاة حكام بُلداء طغاة قاموا بتلويث جهاز المناعة لدينا واغتيال اخلاقنا لهذا انفجرت الدمامل الاجتماعية المملوءة بالقيح والخُراج  فبروز زعامات الجهالة من اهل العمائم المزيفة وسياسي الصدفة من الافنديه  وتكوين الاحزاب النفعية التبعية ذات الطابع الديني العرضي   وأفول نجم العاديات الاصيلة وتهالك حوافرها وسرقة سروجها  فاسئزر من استئزر من كلاب السياسة وقنافِذُها من السُرّاق والجهلة وذاق الشعب على ايديهم كاس المرارة فاصيب اغلب الناس بالتهاب مرائِرَهم وتفقّأت من الغيض  وغُصةً في بلاعيمهم  وغير ذلك مما ابتلينا به من اجواء التراجع الاخلاقي كماً ونوعاً ضمن مجتمع يعيش الغش في نتائج الانتخابات وعدم مصداقية سلطة القضاء وادواتها  بل وحتى تزييف اعمار افراد المنتخبات الرياضية وانتشار ظاهرة الشهادات العلمية المزورة وعلى مستوى الوزراء والمدراء وجنرالات الجيش الاميين ((المدمجين)) وانكشاف فضائح اخلاقية ومالية تخص قاده وبرلمانيين مما اثر سلبا على المشاعر الاخلاقيه للمجتمع  و تنامي ظاهرة العنف والعنف المضاد والقنوط والاحباط وعدم احترام قوانين الشارع و سرقة الرصيف  والغش الحكومي في ما ناكل من تمن وطحين البطاقة التموينية ((وكتم الغش هو الغش)) بل وحتى في العلاقات الغرامية والغش عند بائع الفواكه والخضر أيضا؛ فتراه يغريك بحلاوة الحديث ومديح بطاطته و طماطته ويريك مايسر ناظريك من فقوع لون ((الحنطة)) وما ان تصل البيت حتى تسمع زوجتك وهي تلعن خبرتك في التسوق وتُعّيرُك بفساد ما اشتريت من(( الشعير )).

ويمكن القول ان شيوع ظاهرة الغش في الامتحانات كسلوك ((جمعي)) لدى أغلب التلاميذ هو انعكاس حتمي لغياب دور الاسرة وتقزيم بنيتها اولا  وتراجع دور السلطة والقانون ثانيا فمنذ تسعينيات القرن الماضي ونحن نشهد تراجعا اخلاقيا اسريا مخيفا وسببه فوضى الحروب وتعاقب المحن وانهيار مؤسسات الدولة بما فيها التعليمية والتربوية وضمن هذه الصورة القاتمة والبائسة اصبح سلوك الغش في الامتحان كنزعة اجتماعية ((حشرٌ مع الناس عيد)) طالما ان حارس الجامع خريج الابتدائية اصبح وزيرا في العراق!!!! اذن فالامرلا يتوقف على شهادتي؟؟؟ وان الاستحقاق اصبح ضربا من ضروب الخرافة. ولا اريد الاسهاب في هذا الهباب  كيلا اخدّش اذواقكم الرفيعة احبتي قراء (الزمان) المحترمين  وحسبي انكم تعيشيون ويلاته وتبعاته كل يوم ولكني ساتناول اليوم  موضوع الغش في الامتحانات  وفي وسائله الحديثة المتطورة. فلقد تطور الامر بتطور اساليب الاتصال الحديثة السمعية منها والمرئية وتجاوزمرحلة البراشيم الصغيرة والقصاصات الورقية التي يخبئها التلميذ تحت ساعته اليدوية او استراق النظر بالتفاتة خاطفة  خافظة رافعة  تاتي اوكُلَها بحل سؤال مُحيّر  او سماع الاجوبة عبر ميكروفونات خارج القاعة الامتحانية  او ما يحصل احيانا من غياب الضمير واخلاق المهنة لدى بعض المدرسين ممن كلفوا بمراقبة القاعة وغيرها من حضوض الغش التي يحظى بها التلميذ .

اذن ومما تقدم اصبح واضحا ان هذه الظاهرة الجزئية تورّمَت خلال جسد نحيف متهالك البنى  ولذا ابتدع المرتزقة الصغارو تجار الحروب  واعداء التنوير  طرائق جديدة في تشجيع الشباب على الغش والتحايل وبصورة علنية  ضمن مكاتب خاصة منتشرة كانتشار الاوبئة والامراض هذه الايام و تتوفر فيها احدث اجهزة الاستقبال الالكترونية ((سماعات)) السلكية واللاسلكية وباسعار زهيدة يستطيع اي تلميذ اقناءها ومن مناشئ عالمية وبعدة انواع واسعار وكما ذكر لي احد بائعي هذه الوسائل وهو صاحب مكتب في احدى محافظات الجنوب : ((ان السماعات انواع واشكال منها ام ((الصجم )) ومعها جهاز نقال مع سلك ويخبأ تحت الحزام وهذه السماعة ((الصجمة)) تندحس بالاذن وتستخرج بواسطة مغناطيس ولا يتجاوز سعرها 200 الف دينار وهي ليست مضبوطة تماما وهناك نوع الفراشة او الذبانة وصغيرة جدا بحيث يسهل ادخالها في الاذن ايضا  فيها هاتف نقال وسلك  واخرى بدون سلك وهذه الاخيرة تستخدم مع جهاز فيزاكارد يسمى المساحة يخبأ ايضا تحت الحزام وهذا غير معتمد عليه لا يتجاوز سعره300  الف دينار عراقي)..

وهنا قاطعته وبمرارة تقطع امعائي (هل هناك سماعات جديدة عالية الوثوقية والاعتمادية في الغش؟)

فاجاب: نعم استاذ هناك سماعات ممتازة ولا سلكي ونوع الصجمة ايضا لا تتاثر بالتشويش الالكتروني حولها واثبتت جدارتها في السنة الماضة ولا يتجاوز سعرها 500 الف دينار عراقي)) مع ضمان معدل للدرجات 9 .99 بالمئة (كلية الطب انشاء الله)  انتهى كلام البائع..

وانتهي انا ايضا بالقول لا تتعجبوا ان سمعتم يوما بوزراء بهلوانيون ((خرّاجونَ  ولاّجون)) او ماليون حمقى  يقدمون موازنات كاذبة تدمر الاقتصاد  ولا تستغربوا ان سمعتم يوما ان جراحا ما قد نسي المقص داخل معدة مريض مسكين او جسرا انهار بمرور اول سيارة ((سايبا)) فوقه او قاضيا حكم باعدام الضحية وهو تحت التراب وبرّأ الجاني .. انه الجمر الذي تحت الرماد