محاسبة أجهزة الأمن أولى من الاستجوابات

 

   (المصارعة) فعالية من الفعاليات التي لجأ اليها الإنسان منذ بدء الخليقة للدفاع عن نفسه، وهي ليست أسلوبا عدائيا كما يشير لها اسمها، فقد اتبعها الانسان القديم كوسيلة لدرء الخطر في حال تعرضه الى اعتداء. ولما نعم الانسان بالتحضر والتوطن لبست هذه المفردة لباس اللعبة، فأضحت وسيلة لإظهار القوة الجسمانية بهدف التباهي لاأكثر، ثم صارت تقام تحت مسماها المسابقات والبطولات العالمية. لكن الغريب ان تدخل هذه اللعبة مدخلا غير مخصص لها، وتحتل مكانا غير مهيأ لها، في ظرف غير ملائم لممارسة فعالياتها، وهذا مانشاهده جليا في العلاقات بين سياسيينا على أرفع المستويات، إذ ما اجتمع اثنان منهم على قضية إلا وكان الخلاف ثالثهما، ولطالما تحولت طاولات تجمعهم الى حلبة مصارعة حرة غير خاضعة الى قوانين وأصول وضوابط، وتختلف عن باقي حلبات المصارعة المعهودة في العالم اختلافا جذريا. وشيئا فشيئا اتسعت مساحة الحلبة اتساعا جامحا، فصارت تشغل رقعة تبلغ مساحتها (437,072) كم2، أما المتفرجون فيربو عددهم على ثلاثين مليون متفرج، ومن غرائبها أن الضربات والفنيات والبهلوانيات بين المتصارعين، تعود بالويلات والمصائب على المتفرجين، فيما ينعم اللاعبون بمتعة الفوز ونيل الأوسمة والأحزمة والكؤوس، فضلا عن الامتيازات الدنيوية الأخرى.

  هذا جانب من الوادي الذي يعيش فيه ساسة العراق، أما الجانب الثاني من الوادي، فالعراقيون يبدأون يومهم فيه واضعين أرواحهم على كف عفريت، إذ يحيقهم الموت من جميع جهاتهم، ويأتيهم بطرق شتى من حيث يعلمون ولايعلمون، والأمثلة في هذا الصدد يضيق بها مقامي هذا لو أردت سردها، فالكواتم والمفخخات والعبوات بأنواعها فضلا عن (التايهات) لاتنتهي. وماأردت قوله أن أغلب الاختراقات الأمنية التي حدثت -وماتزال تحدث- سببها التهاون والغفلة واللاأبالية، التي لايمكن لأحد نكران وجودها بين صفوف قواتنا في الجيش والشرطة، وعناصر باقي الأجهزة على حد سواء، حتى بات مثلنا (بعد خراب البصرة) أول مايتندر به المواطن بعد كل خرق أمني يسفر عن خسائر في الأرواح والأملاك، وذلك تعبيرا عن الاستياء من التأخير في أخذ الاحتياطات التي تقوم بها القوات الأمنية، والتي تأتي دائما متأخرة، من تشديد في التفتيش وغلق للطرقات أو حظر للتجوال. 

  إن مايحدث من تفجيرات تكاد تكون يومية، لايمكن الوقوف أمامها صامتين، والصمت هنا قطعا تلام عليه الحكومة والجهات الرقابية في البلد، أما الأمنية وأجهزة الداخلية والدفاع والمتخصصة بمهام حماية المواطن ونشر الأمن، فيجب أن توضع تحت طائلة القانون والمحاسبة الشديدة، ومن غير المعقول تكرار حوادث التفجير بشكل ماعاد يحمله المواطن المثخن بمصائب يأتيه بها ساسته من كل فج عميق.

   هو النداء إذن، يعلو من المواطن الى قيادات المؤسسات والأجهزة الأمنية، بإيلاء جانب المحاسبة والعقاب أهمية في التعامل مع منتسبيهم، وكذلك يوجه النداء الى المؤسسات الرقابية وأولها مجلس النواب، في تضييق الخناق على محاسبة القائمين على حماية أمن الدولة وأمنها الداخلي على وجه الخصوص، وأظن أن حريا بمجلس النواب ترك ألاعيب الاستجوابات التي لاتحمل من الدوافع غير السياسية والعداءات الشخصية والمصالح الكتلوية والفئوية والحزبية، ولاتهدف الى غير التسقيط السياسي والمهني والشخصي، وليست بذات جدوى، كذلك على مجلس النواب الالتفات الى الأهم، الى من اصطبغت سباباتهم من أجل ضمان من يخدم بلدهم بالشكل الصحيح، ويكفي المواطن ترديد المثل؛ (يوميه هزي رطب ينخله). 

aliali6212g@gmail.com