تثير المقولات الفلسفية غالباً الكثير من التساؤلات حول الماهيات والموجودات، وحول العديد من القضايا الاخرى التي تتعلق غالباً بقضية انسنة الانسان، والتداعيات التي رافقت تطور الفكر الانساني منذ البدء الى وقتنا الحالي، وتظهر بين الفينة والاخرى بعض المصطلحات المثيرة للجدل في ذاتها، لكونها تسلط الضوء بشكل مكثف على الواقع البشري وما آل اليه من انحرافات وتوهيمات ادت الى خراب الخراب الارضي بشكل لايمكن التغاضي عنه، او تبريره بأي فعل او رؤية او حتى تفصيل ايديولوجي حر او ديني مقيد. تتناول الافكار البشرية هذه المصطلحات بشكل اما تداولي نقلي غير مفهوم وواعي، او تحوله الى اشكاليات وجودية تبعث في كينونتها الكثير من التيارات والتي غالباً من تنجب التطرف بشكله الارهابي، ومن هذا المنطلق كان لابد ان نحاول تسليط الضوء على ماهية الارهاب كمصطلح اصبح يشكل جزء من الحراك البشري الاصولي في كل اصقاع العالم، حيث يقول د. حنا عيسى حول هذا الموضوع "تعد ظاهرة الإرهاب من مظاهر العنف الذي تفشى في المجتمعات الدولية، فمنذ أوائل السبعينات من القرن الماضي وكلمة “الإرهاب” ومشتقاتها من أمثال "إرهابي" و "لإرهاب المضاد" وغيرها قد غزت بالفعل أدبيات جميع فروع العلوم الاجتماعية. حيث أضحى مصطلح "الإرهاب" من أكثر الاصطلاحات شيوعاً في العالم، في وقت تزداد فيه نسبة الجريمة ارتفاعا وأشكالها تنوعاً؛ وأصبح الإرهاب واقعاً مقلقاً ومزعجاً. فالمؤلفون في ميادين علم النفس، وعلم الإجرام وعلم الاجتماع، والفكر الديني…إلخ، انكبوا على دراسة هذا الموضوع أكثر من أي ظاهرة اجتماعية – سياسية أخرى في عصرنا.."، وما يقلق اكثر هو ان الحراك الارهابي اصبح ذا تأثير فعال على الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وحتى العسكري في العديد من الدول بدرجة اصبح الارهاب يشكل خطراً على الوجود البشري " الانساني " من حيث تسربه الى جميع المؤسسات وتحايله على نفسه وعلى الاخرين بصورة اصبح يمارس الارهاب بشكل مقنن وتحت انظار الدولة. وهذا بالضبط ما جعلنا ان نثير السؤال المقلق " ارهاب داعشي ام داعش ارهابي..؟" و السبب في اتخاذ داعش كنموذج تحليلي وتطبيقي للسؤال هذا، هو بالطبع لكون داعش الان يمثل ذروة الفكر الارهابي الاصطلاحي من جهة، وذروة الارهاب العملي الفعلي من جهة اخرى، لذا فاننا حين نتحدث عن داعش ونحاول تحليل ماهية الارهاب لديه سواء أكان الارهاب مطلق في فكره، او كون الارهاب جزء من تكوينه فاننا بذلك نسلط الضوء على اغلب التيارات الدينية الاصولية ذات الاليات الفكرية والمذاهب المختلفة والمتعارضة من حيث الاطروحات الايديولوجية والشعارات السياسية، والمتفقة من حيث المنطق الضمني كما يتجسد ذلك كما يقول المفكر علي حرب " في عبادة الاصل وخرافة المماهاة واحادية التفكير ونفي الوقائع واستراتيجية الاقصاء للاخر.." وبالطبع على الرغم من ان لها منابع تشابهية من حيث المنشأ " الاديان " .. وما نقصده بالسؤال هو تفكيك مقولة " ارهاب داعشي ام داعش ارهابي" ومحاولة فك الطلاسم التلازمية لظهور التسمية وتطوره الايديولوجي، ومن ثم تتبع ماهية الوسائل التي يتبعها اتباع هذا الفكر سواء في الدعوة الى معتقداته او في التعامل مع اللامنتمين اليه، وهذا بالضبط ما سيجعلنا نرى الماورائيات التلازمية للفكر الارهابي الداعشي، ولاغلب التيارات الدينية التي تتبنى نفس الاسلوب الدعوي ونفس الوسائل التعاملية ولكن بتفاوت نسبي. وما نقصده بارهاب داعشي هو ان التنظيم له ايديولوجية خاصة متفرعة، لها ثوابت نابعة من عقيدتها، ووسائل تلازمية لتلك الثوابت، من حيث تطبيقها على ارض الواقع، و تأصيل جذورها لاتخاذ شكل يتناسب مع وجودها الفعلي السلطوي، او من حيث تداعيات حركيتها، وتوجهها الفكري المقنن بصبغة التشريع الاصلي، وهذا ما يجعلنا ان نرتد على اعقابنا ونراجع معاً المصادر التي تستقي منها داعش شريعتها " الدين " وبالتالي الغرضية التي تعمل داعش على توظيف هذا التشريع" الدين" من اجله، واي الاهداف يسعى لتحقيقه، وهل هذه الاهداف ضمن سياقات التشريع تداولية او ما يمكن ان نقول عنها – وقتية متغيرة ومتحولة من فئة الى اخرى – ام هي مطلقة باقية كما تطلق وسائلها الاعلامية على نفسها بانها دولة باقية. ان التدارك الحاصل في هذا التشريح هو ما سيجعلنا نقف على بعض ملامح التنظيم.. لاننا اذا ما تمعنا النظر الى المكون الاساسي للتنظيم سنعرف وبشكل قطعي انه التشريع " الدين " وبالتالي ان الاصوليات لديه ثابتة، وهذه الثوابت هي في تداولها متغيرة حسب ما يحتاجه التنظيم، وان اظهر التنظيم بان ثوابتها غير متغيرة، اقصد بذلك ان التنظيم يقوم على تسخير التشريع لغرضياته التي تتناسب والمرحلة التي تمر به، وبالتالي فان الارهاب هنا باعتباره موضوعنا الاساس لابد وان يكون متأصلاً في التشريع لديه ليكون بذلك متداولاً بين اتباعه وضمن الاليات التي يمكنه ان يمارسها تجاه الاخرين، وبالطبع وبشكل قطعي نؤكد ونؤمن بان الارهاب هو جزء من تكوينه التشريعي، لكون ان الاصوليات لديه تمنحه حق ممارسة الفعل الارهابي وفق ادلة هو يراها دامغة لاغبار عليها، ولايحق لاحد نقضها او مناقشتهم حولها لكونها صادرة من الثوابت لديه، والتي هي في عقيدتهم غير متاحة للنقاش او للنقض لكونها احكام قطعية صادرة من السلطوية العليا لديهم.. وما يعني ايضاً ان التنظيم مؤسساتي لديه الكثير من الوسائل التداولية الاخرى التي يمكنه ان ينتهجها مع الارهاب كالحكم باسم التشريع ووفق قوانين التشريع، وكذلك يمكنه ان ينشأ خليات توافقية تعمل على التبشير بفكره، ويمكنه تسخير التكنولوجيا الحديثة ايضا من اجل تفعيل ذاته، وتبرير نشاطه، وتدعيم فكره، وتقويم مسالك اتباعه، ومراقبة النهج الذاتي الداخلي لديه، لمعرفة المراحل " الاشواط" التي قطعها التنظيم في ترسيخ سلطته الارضية..لذا فان قولنا بان هناك ارهاب داعشي فاننا بذلك نؤكد على كون التنظيم يملك ضمن ثوابته التشريعية ما يوجب عليه تتبع النمط الارهابي الحالي في تأكيد وجوده واثبات فعالية اساليبه في تحقيق اهدافه واغراضه الارضية باسم التشريع الاصلي. ومن جانب اخر اذا نظرنا الى الشطر الثاني من التساؤل " داعش ارهابي " فاننا هنا بصدد جملة تأويلات مغايرة والتي تغالط النمط التشريعي الداعشي المؤسس على الاصوليات والثوابت، باعتباره ان الارهاب هنا تم الصاقه بداعش لاسباب تخص الجهات التي تطلق على داعش تسمية الارهاب، اعلم بأن الكثير من المتابعين سيقولون ما الفرق اللغوي من تقديم اسم داعش على الارهاب او تأخيره فالامر سيان، ولكن مع ذلك ودون ان نتحول الى اللسانيات والبلاغيات لتأكيد مفهونا حول التسمية فاننا نحاول قدر الاستطاعة تقريب الفكرة الى المتابع والقارئ على ان الارهاب جزء من التشريع السلطوي المؤسساتي لداعش وليس مجرد اسم تم الصاقه من قبل المعادين للتنظيم، او الذين يعولون على اعمال داعش لالصاق مصطلح الارهاب به.. فالمعطيات التي نحاول ابراز معالمها تنص على ان ارهاب داعش هو مؤسساتي تشريعي مقنن ومأخوذ من الاصوليات التشريعية " الدينية" لديه، او ما يسمى الفقه الديني لديه، وليس العكس، اي ان الصفة الصقت به لكونه مارس العنف والارهاب لاسباب خارجية، او تداعيات فرضت عليه اتباع هذا النمط وهذه الوسائل.. ان مفهوم داعش ارهابي لايعني بالضرورة ان التنظيم كان من الممكن ان لايتبع هذا الاسلوب لو ان الظروف التي ظهر فيها كانت مختلفة ومغايراة، وبمعنى اخر، اننا هنا لسنا بصدد الصاق تهمة الارهاب بداعش دون وعي وادراك ودون موجودات سبقية تفرض علينا البحث المتأني قبل اصدار الحكم النهائي، فلو ان الظروف كانت مختلفة ماكانت التنظيمات الدينية الارهابية بحاجة الى تطوير فكرها الارهابي الداخلي وبالتالي الى احداث انشقاقات وتقسيمات ضمن هيئاتها وصفوفها وتوجهاتها وتطلعاتها وحتى اساليبها الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والارهابية.. فالواقع يظهر لنا ان هذه التنظيمات وداعش انموذجاً تعتمد الالية الارهابية ضمن هياكلها التنظيمية وضمن عقيدتها المصاغة من المقننات التشريعية الدينية الاصلية، وبالتالي فانها لو ظهرت في اية ظروف كانت ستتبع هذا النهج الارهابي المقلق للانسانية والمدمر لكل الاواصر البشرية من التفاعلات الاجتماعية الممكنة ومن العلاقات السياسية الممكنة ومن التشاركية البشرية على هذا الخراب الارضي.. وهذا بالضبط ما يؤكد ان الانسان داخل منظومة الارهاب الداعشي هو لايملك الخيار في البقاء خارج دائرة التنظيم، لكونه اذا ما قرر البقاء خارجاً فان نهج وتشريع التنظيم يفرض على اتباعه ان يقوموا باستئصال اللامنتمي دون قيد وشرط، بل ضمن اولوية ناتجة من السلطوية التي يمتلكها لهدف تحقيق تشريعه الاصلي.. وهذا ما يجعلنا نرى بان اية نظرية حول كون التنظيم كان من المكن ان يكون مغايراً لما هو عليه الان امر مرفوض نهائياً، لكون الارهاب لم يلصق به بسبب افعاله، انما الارهاب جزء من عقيدته وتشريعه ومؤسساته السلطوية.
|