اولا-مفهوم التحكيم أختلف الفقه في تُعريف التحكيم وذلك لان كل منهم إنطلق في تعريفه من زاوية معينة، إذ اعتمد بعضهم في تعريفه على أطراف النزاع واعتمد آخرون على شخص المحكّم فيما اعتمد بعضهم الآخر على الوظيفة التي يقوم بها المحكّم في حين اعتمد فريق آخر على نظام التحكيم في ذاته، إلاّ أن أغلبهم ركز في تعريفه على جانبين: أولهما الاتفاق بين الأطراف وثانيهما المحكمون( ). التحكيم لغةً: مصدر حكم يحكم -بتشديد الكاف -اي جعله حكما، والحكم – بضم الحاء وسكون الكاف – هو القضاء، وجاء بمعنى العلم والفقه والقضاء بالعدل، ومنه قول الله عز وجل: (واتيناه الحكم صبيا)، ومنه الحكمة بمعنى وضع الشيء بمحله، والحكم – بفتح الحاء والكاف – من اسماء الله الحسنى،( ) وجاء في قوله تعالى:"وان خفتم شقاقا بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من أهلها".( ) يعرف التحكيم اصطلاحاً بأنه:" نظام تعاقدي بموجبه يتفق الخصوم على حل الخلاف الذي ينشأ بينهما على محكمين ليفصلوا فيه بعيداً عن اجراءات القضاء العادي".( ) ويختار المتنازعون الحكام الذين يريدونهم. ومن الممكن ان تكون عملية التحكيم بين شخصين، مجموعتين، او حتى بلدين. وغالبا ما يشار الى التحكيم بالطرق البديلة لفض المنازعات Alternative) dispute resolution ) وهي وسائل وعمليات مختلفة تستخدم لحل المشكلات والمنازعات خارج نطاق المحاكم والهيئات القضائية الرسمية.( ) ومن المعروف ان التحكيم يطلق عليه بعض الفقهاء القانونيين ((القضاء الخاص)) وذلك لانه لا يدخل في تشكيله اي في تشكيل محكمة التحكيم سلطان الدولة ونفوذها رغم تطبيق قوانينها، فيرأس التحكيم محكمين وليس قضاة.أذن فالتحكيم هو أحد الوسائل البديلة التي كفلها القانون لفض المنازعات المدنية والتجارية. ويتم اللجوء الى التحكيم بناء على اتفاق بين طرفي النزاع على اللجوء الى التحكيم كوسيلة لحل ما أثير من خلاف او ما قد يثور من خلاف او نزاع في المستقبل، ويكون هذا في شكل شرط من الشروط ضمن بنود العقد الاصلي او عبارة عن مشارطة مستقلة للتحكيم وهي تأخذ صورة اخرى من اتفاق منفصل يتم بين أطراف النزاع.( ) واتفاق الاطراف على اللجوء الى التحكيم يكشف عن رغبة ونية الاطراف في حسم ما قد يثور بينهما من خلافات وينزع الى حد كبير صفة الخصومة ويقضي على وسائل المطل التي من الممكن ان تتوافر في القضاء الوطني في بعض الأحيان، كما يتسم التحكيم بحسم المنازعات بطريقة سريعة والتي تعطي قدرا هائلا من المرونة في سير الاجراءات تاركة للاطراف حرية كاملة في ابداء اوجه الدفاع. كما يتسم ايضا بسرية جلساته التي لا يحضرها الا الاطراف المتنازعة، الامر الذي يترك فرصة لهؤلاء الاطراف في استمرار تعاملاتهم التجارية رغم وجود النزاع الذي لا يعرفه سواهم.( ) يمكن القول ان التحكيم هو نظام او طريق خاص للفصل في المنازعات بين الافراد والجماعات سواء مدنية او تجارية عقدية كانت او غير عقدية، فالتحكيم قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية فيعتمد اساسا على ان أطراف النزاع هم أنفسهم من يختارون قضاتهم بدلا من الاعتماد على التنظيم القضائي للبلدان الي يقيمون بها وتسمى " هيئة التحكيم " وتتكون من محكم واحد او أكثر حسبما يتفق الاطراف بمشارطة التحكيم او في الوثيقة المنظمة للعلاقة التي يتناولها التحكيم.( )
ثانيا-مدى امكانية اللجوء الى التحكيم التجاري او الدولي لفض النزاعات المتعلقة بالنفط والغاز في العراق ان لجوء الدولة او احدى اقاليمها او محافظاتها غير المنتظمة في اقليم الى (التحكيم التجاري) او( التحكيم الدولي )امرا غير جائز قانونا ومنطقا لفض نزاعات توزيع عائدات الثروة النفطية. فقانون توزيع تلك العائدات هو من النظام العام، واحكام النظام العام لا تكون محلا للتحكيم،( ) فكيف تصبح محلا لدعوى تقام امام هيئة تحكيم تجارية( )؟! كما ان اللجوء الى التحكيم الدولي لفض نزاعات توزيع عائدات النفط والغاز )ليس جائزا لان التحكيم الدولي مقرر بين اشخاص القانون الدولي العام وليس بن الدولة واحد اقاليمها . اذ ان عائدات النفط والغاز تبلغ من الاهمية بمكان انها تعتبر المورد الوحيد تقريبا لميزانية جمهورية العراق الاتحادية ولموازنات اقاليمها ومحافظاتها كافة، مع ملاحظة ان نسبة المصادر الاخرى من الضرائب والثروات الاخرى لا تتجاوز (5%) من تلك الموازنات، لذا يعد اللجوء الى التحكيم التجاري او الدولي فيه مساس باستقلال العراق وفيه مخالفة دستورية واضحة لنص المادة (1) من دستور جمهورية العراق التي تصف العراق بانه: دولة اتحادية مستقلة ذات سيادة. وذلك باعتبار ان اللجوء الى التحكيم في مسائل توزيع عائدات الثروة النفطية ماسا بسيادة جمهورية العراق.( )
صفوة القول
ان التنازع بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم لا يجوز ان يكون محلا للتحكيم التجاري ولا الدولي لان هذا الموضوع ليس نزاعا تجاريا بين الدولة واحدى الشركات المتعاقدة ليكون محلا للتحكيم التجاري او بين اشخاص القانون الدولي العام ليكون محلا للتحكيم الدولي وانما هو نزاع بين الدولة واقاليمها ومحافظاتها في اختصاص نظمه الدستور وعين الجهة المختصة به وهي المحكمة الاتحادية العليا كما هذا الاختصاص من النظام العام وعليه لا يمكن ان يكون محلا للتحكيم.
|