الفنتازيا السياسية في العراق الجديد


اتسمت الظاهرة السياسية الحديثة في العراق بكل حالات التعقيد السياسي وما انتجته من مشكلات اجتماعية وثقافية في المجتمع  نتيجة الصراعات الداخلية بين الاحزاب السياسية المتصارعة على السلطة وبين نزعاتها الطائفية والاثنية والقومية التي غلبت على المشهد السياسي والاجتماعي باعتبارها الهوية الرمزية للاحزاب وايديولوجية افكارها وتوجهاتها الفكرية التي اثرت سلبا على الهوية الوطنية والتراثية والتاريخية لكل مكونات الشعب العراقي وحضارته وارثه الوطني عبر التاريخ في التماسك الوحدوي والوطني وثقافته الوطنية  على مستوى الثقافات والاداب في المجتمع بالرغم من كل معاناته السابقة في سياسات الحكام والملوك التي انتهجت الصبفة الطائفية في ادارة شؤون الحكم في العراق الا ان ثقافة الشعب وانتماؤه الوطني والاسلامي والعروبي لهذه الارض  المباركة جنبت الشعب الكثير من الصدامات المذهبية والقومية بالرغم من وجود الفجوة والخلاف المذهبي والديني والقومي  لذلك انحسرت دائرة  الصراع بين شخصيات السلطة واحزابها المتنافسة ولم تلحق الضرر العام بالشعب لكونه شعب محصن متماسك متداخل اسريا واجتماعيا وتحكمه الروابط الاجتماعية المتينة والعادات القبلية  العربية  فبقيت دائرة الخلاف والصراع بينه وبين سياسة الحكام والملوك من جهة  ورجال سلطته .واحزابها بالرغم من استخدام  الحكومات الطائفية وادواتها اساليب البطش والمنع وبث الافكار الخاطئة ضد الاطراف الاخرى بغية التمسك بالسلطة على حساب المذاهب والاديان والقوميات الاخرى وكسب اكبر جمهور مؤيد لها  يصور لهم صورة شرعية البقاء بالسلطة بشتى الوسائل على حساب الاطراف الاخرى التي كانت مغيبة من ممارسة حقها الشرعي في السلطة
لذلك نجد  أن اغلب أطراف الصراع السياسي  في العراق يمتد الى صراع من حقبة طويلة بالمعنى التاريخي السياسي والديني بين قوى سياسية  متصارعة الارادات في اللون المذهبي والقومي   مع بعض خلافات في الدرجة وفي الطموح والنفوذ. في السلطة .ألتي غلبت عليها "الفانتازيا" السياسية  باشكالها المستوحاة من احقية السلطة لفريق دون اخر وفئة دون اخرى وطائفة دون اخرى  وكل فريق يسند احقيته للسلطة  الى جملة من الروايات والاحاديث  وقصص الاولين حتى البعض منها استند الى الكثير من الخزعبلات والاساطير والخرافات  لتحقيق مصالح حزبه او طائفته استنادا الى االتاريخ الوسيط  بعد ظهور الاسلام واشكاليات الخلافة  وادوار السلطة في العهد الراشدي والاموي والعباسي  وحتى العثماني الذي استمر لقرون طويلة  بحكم النهج المذهبي السياسي الواحد واللون المذهبي الذي طغى على شكل وبناء الدولة وثقافتها السياسية . وان رغبة البعض  اليوم في الاتجاه السياسي منذ تشكيل نواة الحكم الجديد في العراق على اساس التوافقات السياسية  كمصطلح سياسي  لتادية دور الشراكة في الحكم والسلطة الا ان باطن هذا التوافق هو حصص مذهبية وقومية  تقاسمتها تلك الاحزاب بما افرزتها الانتخابات ذات الصبغة الطائفية والقومية والدينية على شكل سياسة وادارة الدولة  التي اسقطت العراق في دوامة الصراع الطائفي والاثني بين المكونات  والذي لم تشهد له حادثة منذ هذا النوع تاريخيا رغم ما اسلفنا سابقا بان الصراع كان محوري فقط بين فئات من الشعب وبين سلطة حاكمة  ولم يسجل العراق سابقة تاريخية طائفية مثل ما شهدته البلاد في ظل الاحزاب الحاكمة الجديدة في السلطة وما انتجته صراعاتها الداخلية  من فوضى طائفية واقتتال داخلي بين المكونات ان ما نعيشه اليوم من حالة تدهورامني واقتصادي  وانقسام مجتمعي هو ظهور شكل جديد  لنظام سياسي يؤمن بالحلول والافكار الفنتازية ويحاول ان يجسد ادوارا لشخصيات تاريخية واسطورية  بغية الدفاع عن انتماءه المذهبي والقومي وهي بعيدة كل البعد عن شخصيته وابعادهاالواقعية والتي انكشفت حقائق مغايرة  عن الوجوه التي كانت ترتدي الاقنعة المزيفة التي كانت  تختزل ادوار وسمات تلك الشخصيات التاريخية واقعا وسلوكا  في الخطابات والافعال  في الظهور وسرق أضواء الكاميرا، كما يقال في أدبيات الدراما والسينما، والبحث عن مُـصالحات مفقودة وتحديد المصالح الجماعية، إن وُجدت، تجاه هذا القضية  والظهور احيانا برجل المرحلة والمنقذ والمدافع عن الطائفة او القومية وافتعال الازمات الداخلية بحجة حماية مصالح الطائفة والقومية
لقد شهدت العملية السياسية بعد مخاضها العسير الى ولادة غول طائفي سياسي فنتازي الافكار والتوجهات اثر سلبا على الحياة السياسية والاجتماعية نتيجة احداث الانقسامات  والتخندقات الطائفية والفئوية على المشهد العام واما على المشهد الخاص النفعي فقد كانت العلاقة رغم توترها فان هنالك اجواء وقنوات داخاية ممتدة  لاعتبارات منفعية فئوية وحزبية والتي  أكّـدت أن العلاقات الحقيقية، وإن تضمّـنت شقّـا سياسيا وثقافيا، وتاريخيا ومذهبيا فهي في الجوهر علاقات مصالِـح متبادلة، حتى ولو كانت المسافة بين الأطراف تزيد عن عشرة آلاف ميل أو أكثر، وجوهرها التبادُل المنفعي  وإنشاء طرق المصالح  وزيادة الاستثمارات المتبادلة والصفقات المشبوهة في الفساد وبيع المناصب الحكومية

 

ان مصطلح الفنتازيا مصطلح واسع المدلول من الناحية العملية ، اذ تشترك معه مصطلحات أخر تدور في حقله ومفهومه... فهو عند الفلاسفة مثل الخيال والتخييل والوهم وحلم اليقظة والعصاب الذهني وغيرها .
تعد الفانتازيا نوعا ادبيا يعتمد على السحر والخيال والاسطورة وغيرها من الاشياء الخارقة للطبيعة كعنصر اساسي لحبكة القصة والرواية  والفكرة الرئيسة واحيانا للاطار ، تدور احداث الكثير من اعمال هذاالنوع من فضاءات وهمية ، وتختلف الفانتازيا بصفة عامة عن الخيال العلمي والرعب في توقع خلوها من العلم والموت . "وفي الثقافة الشعبية يسيطر على نوع الفنتازيا الادبي طابع العصور الوسطى من الاساطير والخرافات …..مثلما تسيطر على الواقع السياسي المشوب في العراق على ساسته المهوسون بحب السلطة والمال وخيالهم الخصب العشوائي في التفرد في السلطة وصناعة القرارات الفنتازية بعيدا عن الحلول الواقعية والمشكلات التي يعاني منها المجتمع العراقي والذي يطمح اليوم الى حلول واقعية بعيدة عن الاحلام وعالم الخيال الذي يصطنعه ساسة العصر باكاذيبهم وخداعهم للجماهير
ان الفكرة القديمة تتلخص صفاتها المميزة في ادراج العناصرالخيالية داخل اطار متماسك ذاتيا " في ذهن الناس متناسق بالداخل حيث يظل الالهام النابع من الاساطير والفلوكلوروالتاريخ الديني والحضاري  فكرة اساسية منسقة بداخل هذا الشكل " ومن هذا المضمون انتهجت السياسة العراقية بساستها الجدد هذه الثقافة الفانتازية بالخطاب الا واقعي والخطاب التحريضي العنفي والتسقيطي للاخر وتصوير الطرف الآخر من انه العدو التاريخي  الذي يجب قهره وهزيمته  
انه عالم السياسة الفنتازي عالم عجيب من الوهم والخداع السياسي  الخيالي الوهمي غريب الشكل غير المحكوم بالمنطق وأدوات الواقع ومدلولاته المنطقية  وما يجمع كل هذه التعريفات لا ينظمها العقل وهذا ما نراه في النصوص العجائبية  ، وهي أي شىء غريب في المظهر والمعنى والخطاب والمضمون  
    لقد  وظف الادباء الفانتازيا لطرح آيدلوجياتهم من اجل تصحيح الأخطاء الاجتماعية والتاريخية في الواقع الراهن كما يرونها .. لذلك نرى ان كاتب الفانتازيا هو كاتب أخلاقي , يعالج مسائل الواقع بنمط من التخيل المجازي الذي يعيد صناعة البنى المعرفية للواقع والمجتمع -
اما على الصعيد السياسي :
فقد وظف السياسيون المفهوم الفنتازي كما أشرنا  لخدمة ايديولوجيتهم الفكرية  والسلوكية  على التاثير في خصومهم وجمهورهم  من خلال الروايات والأساطير والأفكار الخيالية التي تؤثر على مشاعر الجماهير دينيا وسياسيا ونفسيا للسيطرة والحكم  والنفوذ مستخدمين ايضا البعض من رجال الدين وزعماء القبائل وزجهم في السياسة للتأثير على الجمهور خطابيا ونفسيا وعاطفيا  وكسب تأييدهم . لتحقيق مأربهم الشخصية ومنافع حزبهم وفئات جمهورهم على حساب الاطراف الاخرى وهذا ما لوحظ طيلة فترة الانتخابات التي حدثت في العراق بكل دوراتها الانتخابية حيث انتهج ساسة العراق بكل مذاهبهم ودياناتهم وقومياتهم .التاثير على الجماهير باستخدام وتوظيف الاعلام الثقافي والديني ورجاله  والقنوات للترويح لاحقية السلطة لطرف على الاخر معتمدين التاثيرات والخطابات الدينية والفئوية والقومية  للتأثير على الجمهور . مما احدثت هذه الظاهرة والحقت الضرر العام بالمجتمع العراقي وشرائحه واصبحت ظاهرة تنافسية لا تمت للواقع العراقي الاصيل وتراثه وارثه التاريخي للشعب الواحد المتماسك وجعله عرضة للفتن والاضطرابات الداخلية .