معركة الموصل وتحدياتها |
يراقب العالم اليوم اندلاع معركة تحرير الموصل بعد ان دخل التوقيت المحدد بإعلان ساعة الصفر مرحلته النهائية، وبالرغم من أن القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أمريكا في الحرب ضد داعش تقف على أهبة الاستعداد للانقضاض على مدينة الموصل اسوة بمدينتي الكيارة والشرقاط، إلا أن معركة الموصل سوف تواجه العديد من التحديات و المعضلات قبل المعركة واثناء اندلاعها وبعد انتهاءها، و يبدو أن غياب التوافق السياسي و الأجندات المتضاربة بين مختلف القوى العراقية التي تنوي المشاركة في معركة تحرير الموصل و طرد الدواعش منها، تشكل إحدى أهم هذه التحديات التي عرقلة اندلاع المعركة لغاية الأن، وبعد ان تم الاتفاق مؤخرا على ترحيل الخلاف على مصير المحافظة وادارتها إلى ما بعد تحريرها اصبحنا قاب قوسين او ادني من اندلاع المعركة الكبرى التي قد تنطلق في أي وقت خلال الشهر الحالي فقد اكتملت الاستحضارات السياسية بعد ان اكتملت الاستحضارات العسكرية، فكيف ستكون طبيعة المعركة وما ينبغي على الحكومات المحلية (المحافظة والاقضية والنواحي) والمركزية ان تفعله اثناء عملية التحرير ؟ وكيف سيتم التعامل مع من انظم مع داعش ومع من قام بإسناده ؟ وكيف سيتم التعامل مع بقية المواطنين ؟ ما هو دور الاحزاب والحركات السياسية في المعركة ؟ وكيف سيتم التعامل مع النازحين الذين سينزحون إلى مخيمات النزوح والمناطق المحررة ؟ وكيف سيتم اعادة النازحين إلى بيوتهم ؟ وكيف ستتمكن الحكومة المركزية وحكومة المحافظة من اعادة الحياة الطبيعية الى المدينة التي عانى اهلها من بطش التنظيم المتطرف على مدى عاميين ونيف ؟ وكيف ستعيد النظام وحكم القانون ؟ طبيعة المعركة هنا ينبغي على الحكومة المحلية لمحافظة نينوى وممثلي نينوى في البرلمان ان ينسقون مع القوى المقاتلة على الارض بكل صنوفها فضلاً عن القوات الجوية والضغط عليهم لتبني نمط ((المعركة النظيفة)) التي تنجز بأقل التضحيات وبالحفاظ على المدنيين وأماكنهم ودورهم وممتلكاتهم ومدينتهم. الجانب الاداري والخطة المدنية ينبغي على الحكومات المحلية والمركزية اكمال خطة مدنية محكمة ترافق عملية التحرير المرتقبة والتركيز على ان تشتمل تلك الخطة على ما يأتي:
كما ينبغي على رئيس مجلس الوزراء ومحافظ نينوى التوجيه بضرورة تواجد اعضاء مجلس محافظة نينوى واعضاء مجالس الاقضية والنواحي ومدراءها فضلاً عن مدراء الدوائر الخدمية وكوادر متقدمة من تلك الدوائر في الاقضية والنواحي والمناطق التي ستحرر تباعاً. الجانب الأمني والقانوني بعد ان تتقدم القوات المحررة وتستعيد بعض القرى والمدن والاحياء ستبدأ مرحلة امنية وقانونية مهمة في سير المعركة إلا وهي مرحلة التمييز بين المواطنين الابرياء وبين المنتمين لتنظيم داعش ومن قام بمساندته سواء من المواطنين النازحين او الباقين في امكانهم وتحريرها، وهي مرحلة فيها من الصعوبة ما قد يقود إلى اخطاء من الضروري التنويه لها والعمل على تفاديها مسبقاً، وعليه نوصي بمراعاة الآتي:
الجانب السياسي وهو ما يتعلق بمواقف الاحزاب والحركات السياسية ودورها في دعم العملية العسكرية واسهامها في دعم عملية التحرير او عرقلتها من خلال التصريحات المتناقضة والمتشنجة والتشهير بسلوك القوات المهاجمة اعلامياً الأمر الذي قد يثير قلق المواطن الموصلي ومخاوفه ويجعله متردداً في اتخاذ موقف ايجابي كما يؤثر على موقف القوى الدولية المشتركة في التحالف الدولي او حتى الدول المناحة والتي ربما ستغير من سياساتها بناءً على التصريحات التي تسمعها من السياسيين العراقيين، وعليه نوصي كل الاحزاب والحركات السياسية بضرورة توحيد خطابها السياسي والاعلامي بما يصب في صالح العمليات العسكرية وتوجيه رسائل ايجابية إلى المواطنين المحاصرين وتشجيعهم على التعاون يما يسهم في خلاصهم، فضلاً عن توجيه رسائل إلى المجتمع الدولي بتماسك الموقف الداخلي العراقي من قضية التحرير ومطالبته بمزيد من الدعم لعميات التحرير والاعمار مستقبلاً . الجانب الانساني بالرغم من الحديث عن ضرورة بقاء المواطنين في مساكنهم وعدم نزوحهم اثناء المعركة المرتقبة، إلا ان ذلك تحدده طبيعة المعركة المرتقبة وكمية القصف المدفعي والصاروخي ودقته وحالة الهلع التي قد تصاحبه، فضلاً عن سلوك القوات المحررة وكم ستستغرق المعركة ؟ وكل ذلك يشير إلى احتمالية حدوث موجة نزوح كبيرة للمدنيين، سيما وان التنظيم المتطرف يتأهب للقتال داخل المدينة وفي السياق تحدث تقرير لصحيفة صنداي تايمز عن مخاوف بشأن "كارثة إنسانية" مرتقبة، إذ يقوم مسلحو التنظيم بحفر خنادق وتجهيز حقول ألغام وسكب النفط في قنوات مائية لإشعال النيران حول المدينة التي يوجد بها مليون شخص. ونقلت الصحيفة عن ولي ناصر، عميد جامعة جونز هوبكينز والمستشار السابق في إدارة أوباما، قوله إن "معركة الموصل ستكون دامية وتؤدي إلى أعداد كبيرة من اللاجئين، وهو ما سيزيد من الوضع المأساوي والمعاناة في المنطقة". وتشير تقديرات الحكومة العراقية بإمكانية نزوح مليون مواطن مع بدأ العملية، بينما تشير الأمم المتحدة باحتمالية ان يكون هناك 700 الف نازح، ومع ذلك فأن اعمال الاغاثة التي تم التحضير لها لا تقارن مع ما يعتقد من هذه الارقام. وتؤكد الأم المتحدة عدم وجود الأموال الكافية وعدم قدرتها على استيعاب عدد النازحين المتوقع واغاثتهم، وعلى صعيد الحكومة العراقية فيمكننا القول ان استعداداتها لإغاثة النازحين لا ترقى إلى مستوى الارقام المتوقعة، فالقادة السياسيين منشغلين بمراسم عاشوراء والمهاترات السياسية والتصريحات بشأن الوجود العسكري التركي دون التركيز على الملف الانساني، بينما حكومة اقليم كردستان تعاني من ازمة مالية القت بضلالها على عملية الاستعداد لإغاثة النازحين المرتقبة ومع ذلك فهي توفر بيئة حاضنة للمنظمات الاغاثية والانسانية وتمنحها حرية للعمل داخل اراضي الاقليم وتوفر لها الأمن وحرية الحركة صوب النازحين سواء داخل اراضي الاقليم او على تخوم الموصل، أما حكومة نينوى المحلية المتمثلة بالمحافظة ومجلس المحافظة فهي الاخرى منشغلة بالخلافات السياسية وصراع الكراسي المحموم وتكاد تكون خالية الوفاق إلا من سلة مساعدات لا تسمن ولا تغني من جوع ويتبادل اعضاءها الاتهامات فيما بينهم بخصوصها، رغم حديث بعض اعضاءها عن الاعداد لخطة مدنية ترافق العملية العسكرية . بعد التحرير بعد انتهاء العملية العسكرية المرتقبة بتحقيق هدفها المنشود وهو تحرير الموصل من قبضة داعش وانهاء تنظيف المدينة من العبوات والمتفجرات ومخلفات الحرب، سندخل في مرحلة مهمة إلا وهي مرحلة اعادة النازحين إلى بيوتهم واعادة الحياة الى طبيعتها داخل المدينة ولإكمال ذلك لابد من التركيز على:
من مجمل ما تقدم يمكننا القول ان معركة الموصل قد تنطلق في أي ساعة من الشهر الحالي بعد انهاء استحضاراتها العسكرية والسياسية، وان هذه المعركة ستكون سهلة ولكنها محمومة بالمخاطر والتحديات المختلفة ولعل الانسانية منها هي اكبر تلك التحديات نظراً لكثافة السكان داخلها، فضلاً عن السياسية والأمنية، وان استعدادات الحكومات المركزية والمحلية للتعامل مع موجة النزوح لا تتناسب مع الارقام المتوقعة وعليه لابد من الاستعانة بالمنظمات الدولية والدول المناحة لمعالجة الملف الانساني والاغاثي المهم، فضلاً عن معالجة عملية اعادة الاعمار بعد التحرير وعودة النازحين الى مدنهم، وهذا الملف يتأثر سلباً وايجاباً بالخطاب السياسي الداخلي للقادة والاحزاب والحركات السياسية وهو ما يفرض وحدة الخطاب السياسي الداعم لعملية التحرير واعادة الاعمار والتركيز على الهدف الاسمى وهو التحرير وترحيل الخلافات الاخرى إلى مراحل زمنية اخرى، فهل ستتمكن القوى السياسية العراقية من التماسك الداخلي وتجاوز خلافاتها لضمان تحرير المدينة بمعركة نظيفة ؟؟
|