القضية الأخلاقية
القضية الأخلاقية في الفكر الفلسفي المثالي تشكل ركيزة الفهم الأساس لتفسير كل الظواهر والموضوعات التي تتعلق بالوجود، من خلال تبنيها لمبدأ عام وهو أن الإنسان كائن عاقل ويفكر وينتج الجديد، بمعنى أنه كائن إيجابي متعدد الروابط مع واقعه، فهو يؤثر بالواقع بوجوده ويتأثر أيضا بالواقع بنفس الطريقة، لذا فهو كائن متحرر من القانون المادي بدرجة ما ولا يخضع بالضرورة في رؤيته ووعيه للتجرد المادي، بمعنى أن يتطور ويتغير ويتبدل كشخص وكمجموعة قيم وكثقافة وفهم ومعرفة بالعديد من المؤثرات، لكن الأبرز والأهم منها هو حرصه على البحث عن توازن ما يستخدمه للبحث عن السعادة عندما يجعل من موضوعها هو موضوع الحق والخير ولو وفقا لقياس نسبي وذاتي. هذا الجانب المهم في حياة الإنسان يبدو غائبا بالغالب ولا يستبان له أثر في المدرسة الفلسفية المقابلة القائمة على الأحتكام على المنطق القانوني الصارم لأليات العلم، أو لأليات الفهم المادي المتحمور حول قضية الوجود والعدم، لذا لا عجب مثلا أن يكون المفهوم المادي للقضية الأخلاقية مفهوم هامشي وأحيانا غير واضح تماما، بأعتبار أن التجريد العلمي والمادي والحسي لا يمكنه أن يفهم بشكل حاد ومحدد القيمة الأخلاقية كمفردة علمية أو وجودية محسوسة عند المدرسة المادية العقلية أو التجريبية، إذا هذا التباين هو مصدر مهم وأساسي يمكن أن يفسر الكثير من الأفكار التي تطفو على الواقع الفكري، في عالم يسير بقوة نحو التجرد الحقيقي وتختفي فيه الكثير من ضروريا الحس المثالي، الذي يساهم بنوع من التوازن الروحي والعقلي عند الإنسان في زمن يتحول رويدا إلى أحادي التوجه والفهم الحسي لرؤية كونية جديدة. التعبير الأخلاقي للواقع إنسانيا هو مختصر مفهوم القضية كما أرى، فعندما يعبر عن ذاته المنفردة وعن ماهوية الذات من خلال معيار نسبي قابل للتبدل والتغير على أنه وجه أخر للوجود، فإنه يقر بحقيقة العلم من أن ليس كل ما لا يعرف تحديدا أو لا تنطبق على القضية الوجودية المادية فهو حقيقي، طالما لم يحسم العلم والمنطق الوجودية بنهائية جازمة هذه القضية، فمن يزعم اليوم من الوجودين أو الماديين العقلانيين مثلا أن قيم مثل الحق والخير والفضيلة هي قيم وهمية؟، وإن كانت نسبية ومتغيرة ومتبدلة تطابقا مع المتحولات المادية الحولية، هذا الإقرار المثالي المدعوم أصلا بمنطق علمي، يعزز القضية الأخلاقية ويمنحها دور في أعادة صياغة العالم صياغة توازن وليس صياغة تكييف كوني ولا تطبيع واقعي. معنى ذلك أن الفلسفة المثالية عندما تتبنى القضية الأخلاقية بالشكل المطروح هنا إنما تتماهى مع الواقع الطبيعي ومع الطبيعة الواقعية للوجود دون أن تجتزئ الواقع أو تفرده، فالمادية تستخدم القانون المادي العلمي المجرد والمنسجم مع جزئية وجودية من جزئيات متعددة قد نعرف منها النقيضين أو الطرفين الأبرز وهما الحد المثالي والحد المادي، إنما تريد أن تثبت أن الوجود الحقيقي هو وجود أحادي القطبية ويدور حول ماهيته المجردة دون أن يؤمن بإمكانية الواقع الواقعي في تثبيت حقيقته، أي أن المدرسة المادية مدرسة صارمة وحقيقية وجدية لكنها جزئية لأنها تنكر أن الوجود متعدد الأوجه وأحتمالات التنوع ليس وهما ولا ترفا عقليا بمقدار ما هو واقع طبيعي ملتصق بنا. إذن فالقضية الأخلاقية هي من أهم محاور التفريق بين المدرسة المادية بشقيها التجريبي والعقلي وبين المدرسة المثالية بشقيها المعرفي البشري أو المعرفي الديني، وحتى نكون أكثر وضوحا نرى أن أهتمام المدرسة المثالية بالقضية الأخلاقية هو أهتمام بطبيعية الوجود والوجود الطبيعي للإنسان ككائن معرفي، قادر على الفرز والتفريق بين الحسن والقبح أبتدأ وبالتالي تبني قضايا الحق والعدل والخير والفضيلة والأمل بصورة تفصيلية، دون أن يخضعها لغير المنطق الطبيعي أو يخضعها للقانون المادي المجرد.
|