هل يتجرأ ؟

 

 

يراد للعراق ان يظل عليلا، لا هو بالحي ولا هو بالميت، فلا يمكن لثرواته ان تهدر ولواقعه ان يتخلف، ولمجتمعه ان يتمزق  مالم يكن الحال على هذا المنوال، هذه حقيقة أدركتها وخططت لها ارادة خبيثة مبكرا، فصارت تتحين الفرص للانقضاض عليه، ولم تكن الدوافع حقدا على نظام سياسي ولا رغبة باشاعة أجواء ديمقراطية ، ولا احقاقا لمظلومين ولا انتقاما من مستبدين .

 

فقد أثبتت وقائع التاريخ القديم منه والحديث ان العراق عمود الامة وسيفها في الملمات، وقائدها عند الخطوب، ومهما كانت الشدائد عظيمة، فهو قادر عندما تسنح الظروف وفي أقصر وقت على النهوض واستعادة الأدوار، فأسترجاع العافية لا يستغرق سوى نصف عقد عندما تتوافر ارادة صادقة  وايمان راسخ،فما يتوافر عليه يؤهله لذلك،  ولهذا أبقوه مريضا، ثقوا ان خراب بلادنا يجري برعاية دولية. .

 

 فمن علق آمالا بصلاح الامور بوجود هذه الارادة لا يفقه من الأمر شيئا، وان خطت معنا أرفع المواثيق، وكلمتنا بأحسن الالفاظ، فالمضمر عندها غير المعلن، فلا عهد عندها ولا ميثاق، والتعامل معها لا يفضي الى شيء، وكل الطرق تؤدي الى غاياتها، ولذلك عملت على ان تكون الصورة مشوشة والارادات مبعثرة والاهداف غائمة، فصار الفاعلون يتخبطون، كل يمضي بحسب ظنونه وليس على يقين، وأوهمنا الاقربون من خلف الحدود بأنهم يتماثلون معنا بالأهداف، فغدونا مجاهدين بالنيابة عن صراعات يخوضونها للهيمنة والنفوذ، فهم أكثر معرفة منا بمضمر تلك الارادة، وان لم يكشفوا عنها لمقتضيات ادارة الصراع .

 

لقد تقاطعت ارادات ومصالح الغرباء في بلادنا، ما يعني ان الصراع سيطول،  وتشرذمنا بين تلك الارادات يجعل من الهاوية نتيجة حتمية لمصير بلادنا ومستقبل شعبنا، وليس من حل سوى توحيد الارادة الوطنية وتحديد الأهداف،، فالتشرذم لم يكن الا نتيجة انعدام الثقة بالشريك في بدايته، وأنتهى الى ان يتعشق مع مصالح ضيقة، ما دفع البعض الى الاحتماء بالأجنبي بوصفه حاميا ومدافعا وداعما، فتحول هذا البعض الى أداة فاعلة في تخريب البلاد وتشريد العباد بقصد او بدونه، مؤمنا بطروحات تلك الارادات او متوافقا بالتكتيك معها،وأصبح من القوة منافسا ومتحديا لمن ظنهم خصوما مع انهم من أبناء جلدته . وبذا لم يعد بمقدور الشركاء في المشهد تقديم وصفات ناجعة لاصلاح الحال، واذا قفزنا على الاصلاح الى التغيير الجذري يغدو الأمر أكثر صعوبة، فالتغييرات بكافة اشكالها ستنتهي الى فوضى عارمة او رهن البلاد للاعب الأكبر الذي تشير الوقائع امتلاكه جميع خيوط اللعبة، والمتمرد مصيره مجهول، والقوي منهم يصنع له عدو لا يمكن مفاوضته، ولا تنفع معه وساطة حميدة او أي من أدوات السياسة المعروفة ( داعش والقاعدة مثالها )، فتقرع طبول الحرب، وهو المطلـــوب .

 

ليس امام الشركاء للتملص من تأثيرات اللاعبين الكبار سوى بناء الثقة، فبيت الداء الذي يكمن في المحاصصة حصيلة فقدانها، ولكن كيف نبني الثقة بين شركاء وصل خلافهم حد كسر العظم، علينا ابتكار آليات جديدة للعمل السياسي غير التي جربناها وأثبتت فشلها، واذا سلمنا بهذا، فمن يضع تلك الآليات ؟

 

ومثل هذا الامر يجب ان يوكل لفاعلين محايدين من غير السياسيين الحاليين الذين أصبحوا من العجز بمكان يتعذر معه انتشالنا من المستنقع الذي وضعنا فيه .

 

يمكن للجنة حكماء (اكاديميين ومثقفين متنورين) طرح بدائل من شأنها صياغة جديدة لعملية سياسية تسهم في بناء الثقة، وتضع جميع القوى في مواقف الحرج في حال عدم التزامها بها، وأظن ان قرار تشكيل هذه اللجنة منوط بالسيد رئيس الوزراء، ووقته المثالي بعد تحرير الموصل،  فهل يتجرأ ؟ .