البلدان النفطية بعد عامين من الانهيار

 

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

 

يحتم الهبوط المزمن لأسعار النفط العالمية اعادة النظر بنموذج النمو الاقتصادي القائم في البلدان النفطية والذي يستند على الايرادات النفطية كمحرك لكافة القطاعات الاقتصادية في هذه البلدان. فقد زاد الاعتماد على الانفاق الحكومي في دعم الطلب الكلي في الاقتصادات النفطية من ارتباط هذه الاقتصادات بدورة الكساد والرواج التي تشهدها اسواق النفط العالمية بعيدا عن متطلبات التنمية والاستقرار المالي والاقتصادي. كما خلفت تجارب الاعتماد المفرط على النفط في تمويل الموازنة الحكومية والاقتصاد نتائج مؤلمة على صعيد التنمية الاقتصادية وزادت من حدة الاختلالات الاقتصادية في البلدان النفطية على مدى العقود الاربعة الماضية.

ورغم إدراك جميع البلدان النفطية اهمية تنويع اقتصاداتها بعيدا عن الاتكال على النفط والغاز، وهي من الأولويات الفورية ومحور الرؤى طويلة الأجل التي توجه جهود التنمية الاقتصادية، فان جهود التنويع الاقتصادي عادة ما تميل الى التراجع (او التأجيل) مع تحسن اسعار النفط، في حين يُعيد تقلب وهبوط الاسعار سياسات التنويع الى صدارة جدول الأعمال وخطط التنمية في البلدان النفطية كافة.

مؤخرا، اعاد انهيار اسعار النفط النقاش حول السياسات اللازمة لعصر ما بعد النفط، ليس فقط لان النفط ثروة ناضبة وانما ايضا لظهور بوادر ما يسمى بذروة الطلب على النفط وتراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، وتصاعد حدة منافسة النفط غير التقليدي (النفط الصخري) وبدائل الطاقة الاخرى التي تنذر بإعادة رسم خارطة الطاقة العالمية بعد عقود من هيمنة النفط والغاز الطبيعي.

وتقدم تجارب فك الارتباط عن قطاع النفط أمثلة قليلة عن البلدان التي تمكنت من تنويع اقتصاداتها بنجاح بعيدا عن النفط، لا سيما عندما كان أفق إنتاجها النفطي لا يزال طويلا والاسعار آخذة بالارتفاع. وهناك عدد من العقبات التي غالبا ما تقف في طريق التنويع، مثل التقلبات الاقتصادية التي يسببها الاعتماد على عائدات النفط أو تأثير انخفاض عائدات النفط في الحكم والمؤسسات. كما تعاني الاقتصادات الغنية بالنفط أيضا من انخفاض القدرة التنافسية للقطاعات الاقتصادية الأخرى الناجمة عن ارتفاع سعر الصرف الحقيقي مع دخول إيرادات الموارد النفطية للاقتصاد، وهي ظاهرة تعرف باسم المرض الهولندي.

ويبدو ان النجاح أو الفشل يعتمد على تنفيذ السياسات المناسبة. ولعل ماليزيا، وإندونيسيا، والمكسيك تقدم أمثلة جيدة على البلدان التي تمكنت من تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، في حين حققت شيلي قدرا من النجاح في تنويع اقتصادها بعيدا عن النحاس. ورغم أن لكل من هذه البلدان الأربعة مسارا خاصا للتنويع، الا ان هناك عدد من المواضيع المشتركة اهمها:

1- استغرق التنويع في هذه البلدان فترة طويلة وأقلعت عن النفط فقط عندما بدأت عائدات النفط في الانخفاض.

2- ركزت هذه البلدان على تنويع الصادرات ورفع مستوى الجودة من خلال تشجيع الشركات على تطوير اسواق الصادرات، ودعم العاملين على اكتساب المهارات والتعليم اللازم لتعزيز الانتاجية.

3- اعادة توجيه الانفاق العام وتعزيز دور القطاع الخاص وتطوير الروابط الامامية والخلفية لكافة القطاعات ذات الميزة النسبية، وتنفيذ اصلاحات سوق العمل لتحفيز العمالة الوطنية على الانخراط في القطاع الخاص وتحسين الانتاجية.

4- التركيز على خلق بيئة اقتصادية مستقرة ومناخ ملائم لممارسة الأعمال التجارية عبر الاستثمار في البنية التحتية وتعزيز البنية القانونية والبيئة التنظيمية للحد من تكلفة ممارسة الاعمال التجارية (بما في ذلك اقامة مناطق حرة).

5-تشجيع روح المبادرة والابتكار من خلال تحسين الوصول الى التمويل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وزيادة الانفاق على البحث والتطوير (R&D) وتكثيف الاستثمار في التعليم، بما في ذلك تطوير مجالات العلوم التكنلوجية والتعليم المهني.