مرَّ هذا الأسبوع بطيئاً ، وانشغلت فيه رعية العراق العجيبة بمعمعتين لا كبير قرابة بينهما . فأما الأولى فهي ملطخة بالدم والسخام والقلق ، وكان مسرحها الرئيسي هو الموصل الحدباء أمّ الربيعين العظيمة ، وهذه مستمرة حتى لحظة الانتهاء من هذا المكتوب ، وقد تطول رزمة أسابيع أخرى وفق تنبؤات مخرجة الفلم القاسي الممل أمريكا الوغدة . أما البلبلة الثانية فهي مشتقة من قاموس تدويخ الناس ، وإخراج الأمر الثانوي الشكلي إلى السطح ، لتغطية وتلحيف أمر رئيسي جوهري خطير . بعد أزيد من ثلاث عشرة سنة من إنتاج العراق الفاسد الفاقد لهويته الوطنية ، وبعد أن صارت البلاد ممراً ومقراً لكل صنوف المخدرات والحشيشية والخمور التي تباع بأسعار زهيدة ، لأنها معفاة من الضرائب الضخمة التي تفرضها الدول عادةً ، من أجل تخفيض أعداد المتعاطين لها والمتاجرين بها ، تأتيك هذه الدولة التـي لا تعرف اليوم رجلها من رأسها ، لتصدر فرمان منع استيراد وبيع وتعاطي الخمرة بأيّ شكل من الأشكال . نائب معروف من برلمان المحمية الطبيعية الخضراء ببغداد العليلة حتى الآن ، قال إنّ القانون قد تمّ ارساله أولاً إلى مرجعية النجف ، فباركته ووافقت عليه فصدر سريعاً ووافق عليه حتى النواب والوزراء الذين لا تنام أيامهم ولياليهم إلا على وسادة خمرية بائنة . النواب الأكراد ببرلمان بغداد ، وفي لقطة نفاق معلن ، صوتوا مع هذا الفرمان ، لكن كردستان لن تطبقه بوصفها دولة مستقلة لا تحتاج سوى لإعلان رسمي بقيامها القريب . لم يسأل أحد أو ماحود عن السبب الذي جعل أقوياء النجف الذين يقودون الحكم من المقعد الخلفي للعربة السكرانة ، ينامون كلّ هذه السنين ويغمضون العين والسمع ، عن مسألة بيع الخمرة وتناولها في الحانات والمانات والشوارع ؟!
وإذ تتجول بغابة الفيسبوك وأخوته ، فسوف تصطدم بهذا الكمّ الهائل من المعارضين الشرسين لهذا الفرمان المستعجل ، مقابل صمت مريب للموافقين والمتحمسين ،
ومن فرط صور الحانات والكؤوس والكتابات الخمرية الساخرة والمقهورة والقليلة المؤيدة ، تكاد تشم رائحة العرق وهي تنبعث من شاشة كومبيوترك العتيق .هذه إذن هي البلاد التي يقودها المنافقون والدجالون الذين يحرّمون الخمرة ، لكنهم يبيحون ويغطون ويحللون السرقة والخيانة والعمالة للأجنبي وكل صنوف الرذيلة والدونية ، وهنا مربط التناقض والفصام الكبير والإحتجاج
|