نحنُ مُحاربّونَ أشدّاء .. وهذه كلّها .. حروبنا. مبروكٌ علينا .. حروبنا كلّها. نعم هي حروبنا .. كلّها .. منذ حربنا في ايلول 1961 مع الأكراد في "شمال الوطن العزيز" ، حيثُ سمعتُ (و كنتُ يومها في العاشرةِ من عُمري)عويلَ الأمّهاتِ والزوجاتِ والحبيباتِ لأوّل مرّة ، وشاهدتُ أيضاً لأوّل مرّة ،التوابيتَ الملفوفة بالعَلَم "الوطنيّ" .. وصولاً إلى هذه اللحظة (و عُمْري الآن خمسةٌ وستّونَ عاماً) . نعم .. هي حروبنا ، كلّها .. منذ حرب أيلول 1961 ، إلى حرب ايلول 1980 التي استمرت لوحدها ثمان سنوات (اي ما يعادل تقريباً سنوات الحربين العالميّتين الأولى والثانية مُجتمعتين) ، إلى حروب الأشهر ، والسنواتِ ، والأزمنةِ المُرّةِ اللاحقة كلّها. أعرفُ أنّ كثيرينَ ليسوا مع هذا الرأي ، ولديهم آراء أخرى ، غير أنّني اتحدّثُ هنا ،فقط ، عمّا كُنتُ شاهداً عليه ، وعلى الحروب التي عشتها ، أو شاركتُ فيها .. حرباً بعدَ حربٍ .. بعد اخرى . انّها .. حروبنا . الحروب التي وسَمَتْ أرواحنا طويلاً ، بهذا "القَهَر" العراقيّ الخالص . حروبنا المدجّجة دائماً وأبدا، ليس بالأسلحة البدائيّة والحديثة فقط ، وانما هي مدجّجةً أيضاً بالعقائد ، و الأغاني ، والأناشيدِ ، والجُثَثِ ، والرايات .. والقبور . كلّ هذه الحروب .. حروبنا . أتدرونَ لماذا ؟ لأنّنا لم نرفضها كما يجب .. و قادونا اليها كالقطيع .. و خُضْناها بحماسة ، أو شارِكْنا فيها بفتور (لا فرق في ذلك) .. ولأنّنا (وهذا هو الأهمّ) ، لم نعمَل على تفاديها كما يجب. هي حروبنا .. كلّها . حربُ الكلِّ ضدَ الكُلِّ . و حر بُ الواحدِ ضدّ الكُلّ . و حربُ الكلّ ضدّ "الواحد" - الآخر . نحنُ نعيشُ لكي نحارِبْ ، لا نُحارِبُ لكي نعيش .. وإلاّ لماذا أفْنَتْ ستّة أجيالٍ عراقيّةٍ أعمارها في حروبٍ دائمةٍ ، لم يَخمدْ جحيمها الى الآن. هي حروبنا .. كلّها . "و عِدْ وآنا أعَدْ و نشوف .. يا هو أكثرْ هموم" .. من بين همومِ حروبنا كلّها .. منذُ فَتَحْنا عيوننا على هذا الأسى العراقيّ الخالِص .. وإلى هذه اللحظة . نحنُ مُحاربّونَ أشدّاء .. وهذه كلّها .. حروبنا. مبروكٌ علينا حروبنا كلّها .. من ايلول 1961 .. إلى يوم القيامة .
|