المرأة الإعلامية في العراق.. الواقع والتحديات

شهد العراق بعد 2003 انفتاحا إعلاميا كبيرا وبالتخصصات كافة، وإرتفع عدد النساء العاملات في مجال الاعلام بشكل لافت للنظر، لاسيما بعد ظهور القطاع الاعلامي الخاص وبشكل كبير، حيث تجاوز عدد الفضائيات والقنوات المحلية ال 100 مؤسسة ، يوازيها في العدد الصحافة المقروءة والمسموعة ، وهذا ادى ان تصبح وسائل الاعلام في العراق جزءً لا يتجزأ من الحياة العامة والخاصة للمجتمع والافراد، يرافق كل هذا التطور التقني لوسائل الاعلام والمعلوماتية خصوصا الصحافة الاجتماعية ( مواقع التواصل) واحتلالها موقعا مهما ومؤثرا في الحياة اليومية. 
رغم الظروف الامنية وحتى الاقتصادية ،اثبتت المرأة العاملة في قطاع الإعلام جدارتها في التقديم الإذاعي والتلفزيوني والتحرير الصحفي وسعيها لتقديم الافضل، وظهرت اسماء عدة من الصحفيات توزعن على تخصصات مختلفة ، الا ان معايير التعيين والتقديم ومنح الفرص لم تخضع لضوابط حقيقية ومهنية وعادلة، مما ادى لوجود كم هائل من العاملين في هذا المجال لا يرتقون للمستوى المطلوب مشكلا عائقا حقيقيا امام الافضل ، ولعل انتشار المؤسسات الحزبية والفئوية والمحاصصة، وغياب المؤسسات المستقلة اثر على عموم المشهد الاعلامي، وهذا انعكس سلبا على المراة الاعلامية؛  فتواجدها ما يزال مشروطا بسلسلة من العقبات التي تحد من تقدمها في مجال العمل ، ومع إن الدستور نص في المادة 14 ان العراقيين متساوون بغض النظر عن الدين والجنس الخ... الا ان المرأة لم تنل استحقاقها من المساواة، فلم تكن بعيدة عن المحاصصة والمحسوبية والمنسوبية، وهيمنة القوى المتنفذة المناصب والمواقع الحكومية .
نسبة تواجد المراة الاعلامية في مراكز القرار الفعلي لاتزال متواضعة ولا تعكس الصورة الحقيقية التي تمثلها في هذا القطاع ، حيث لم تزل غائبة عن المشاركة الفعلية في رئاسة المؤسسات الاعلامية وفي الإشراف على البرامج السياسية، وغائبة عن العمود الافتتاحي، وربما اقتصر حضورها على كتابة ما يخص شأن المرأة ، وتعي مختلف المؤسسات الإعلامية هذه الحقيقة وتتهرب من ذكرها، ويمكن الاستشهاد بغياب تمثيل المراة في مجلس امناء شبكة الاعلام العراقي وهيئة الاعلام والاتصالات ووزارة الثقافة ، وبهذا الصدد عمل منتدى الاعلاميات العراقيات  وبمساعدة ومؤازرة شبكة النساء العراقيات بالضغط ، لغرض تضمين قانون شبكة الاعلام العراقي الكوتا بنسبة لا تقل عن الثلث، وقد اقر القانون مؤخرا متضمنا ذلك.
اظهرت دراسة ميدانية حول واقع المراة الاعلامية وباشراف ذوي الاختصاص..  ان التمييز على اساس النوع الاجتماعي والمحاصصة وعدم الانصاف والمساواة ، حيث صوتت 67% من النساء الصحفيات بعدم وجود تكافئ في الفرص لتسنم مواقع المسؤولية بين الاعلاميات والاعلاميين وضعف المشاركة في المؤتمرات المحلية والدولية وعدم منحها فرصة كافية للتدريب والتطوير ، كما ان 46% منهن لم يحصلن عل مكافأة مادية او كتاب شكر بالرغم من تقديمهن لا عمال مميزة و تعمد بعض وسائل الاعلام عكس الصورة النمطية للمراة من خلال برامجها او المواضيع المكتوبة في الصحف وتغييب دورها القيادي الذي لابد ان تطلع به  .
  اشرت الدراسة ان 1% مديرة و9% رئيسة قسم 90% موظفة رغم انقضاء اكثر من عشرين عام على عملها ، وللأسف لم تتبوء لغاية الان اي امرأة صحفية ادارة مؤسسة اعلامية حكومية وغير حكومية ، ورغم ان قانون شبكة الاعلام العراقي الذي اقر مؤخرا تضمن الكوتا في مجلس الامناء  بنسبة  لا تقل عن الثلث الا ان الحكومة لم تلتزم بذلك ، وقامت بتعيين اثنان من مجلس امناء الشبكة رجل وامراة خارج السياقات الدستورية والقانونية التي تتوجب الية الترشيح والتنافس بعيدا عن المحاصصة، والتصويت عليهم داخل مجلس النواب، وجاء القرار ليسلب مقعد المراة بالرغم من الاماكن الشاغرة هي لأمرأتين وليس واحدة حسب الكوتا .
 من المشاكل والصعوبات التي تواجه النساء الصحفيات هي قضية المضايقات والتحرش وقد شكت كثير من الصحفيات تعرضهن الى المضايقات ، وانعكس ذلك بشكل واضح من خلال الاستبانة التي اظهرت ان 68% منهن تعرضن للتحرش اللفظي والمس وغالبا ما تكون المضايقات اللفظية في الشارع ، وعزت  40% منهن سبب الاستمرار في العمل خوفا من تشويه السمعة و 24 % بسبب الحاجة المادية و 36% لا سباب اخرى.
معظم حالات التحرش والمضايقات لم يتم الإبلاغ عنها نظراً لطبیعة المجتمع الذي نعيش فيه في ظلّ النظرة الذكورية السائدة والأفكار المسبقة عن عمل المرأة في الإعلام . كما ان قانون العقوبات العراقي يفتقر الى مادة قانونية صارمة تعاقب على التحرش الجنسي بالمرأة في العمل او بسبب العمل الا ان هناك مادة قانونية ما زالت سارية المفعول  وهي المادة 402 التي تشير الى تغريم المتحرش 75 دينارا فقط لإطلاق سراحه، وهذا يعد قصوراً في القوانین، اضافة الى كل ما ذكرناه  تتعرض المرأة الصحفية الى نوع  من العنف مرتبط بمواقع التواصل الاجتماعي والفيس بوك والتشهير عن طريق فبركة الاخبار او عمل صفحات وهمية وصور ومقاطع فديو غير حقيقية .
مؤخرا تعرضت ثلاث صحفيات للضرب من قبل رئيس المؤسسة او مدير القسم، وكان سبب الضرب انها طالبت براتبها الشهري وهذا مسجل وموثق لدى العيادة القانونية الخاصة بمنتدى الاعلاميات، بعد ان سجلن شكوى رسمية مشفوعة بتقرير طبي، يؤكد تعرضهن للضرب، رفعت لاحقا الى مراكز الشرطة والقضاء لاجراء اللازم  ويعتبر هذا تحول كبير في ان المراة الصحفية اخذت تكسر حاجز الصمت والخوف . 
اهم المشاكل والتحديات التي تواجه المرأة الصحفية:  
- هيمنة العادات والتقاليد والنظرة الذكورية.
- غياب التشريعات الضامنة لحقوق المرأة بشكل عام وغياب الالتزام بما اقر منها.
- تدهور الوضع  الامني  واغتيال اكثر من 30 صحفية وتهديد وتهجير اخريات .
- التعرض للمضايقات والتحرش في العمل والشارع.
- التمييز على اساس النوع الاجتماعي في الامتيازات والمكافات والسفروالترشيح للمشاركة في الموتمرات الدولية والاقليمية. 
- غياب الضمانات القانونية والعقود الرسمية في المؤسسات الاعلامية مما ادى الى ضياع حق كثير من الصحفيات في استلام رواتبهن الشهرية وتعرضهن للضرب والاساءة نتيجة مطالبتهن بذلك.
- سياسة المحاصصة وعدم استقلالية المؤسسة الاعلامية .
- غياب المراة الصحفية عن رئاسة المؤسسات الاعلامية وضعف في تبوء مراكز صنع القرار.
- ضعف الاهتمام بالتدريب والتطوير وبناء القدرات، وغالبا ما تقوم بهذه المهمة منظمات المجتمع المدني اما المؤسسة فتعكف عن ذلك او تقوم بترشيح الرجال لورش التدريب لاسيما تلك التي تعقد في الخارج.
التوصيات :
• تضمين الكوتا في  مسودة مقترح قانون هيئة  الاعلام والاتصالات المطروحة حاليا في مجلس النواب  بنسبة لاتقل عن 30% استنادا لما ورد في الخطة الوطنية لتفعيل قرار مجلس الامن رقم 1325/ 2000.
• الرجوع عن قرارات التعيين الصادرة من قبل رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي خارج اطار القانون والدستور الخاصة بأعضاء مجلس امناء شبكة الاعلام العراقي ، وبما يحترم قرار المحكمة الاتحادية الصادر في الدعوى المرقمة (90) و موحداتها 99/107/اتحادية/2015، الصادر بتاريخ 27/6/2016 الذي أجاز لمجلس الوزراء الترشيح لعضوية الشبكة إلا أنه اشترط المصادقة من قبل مجلس النواب، قبل التعيين تطبيقاً لأحكام المادة (47(  من دستور جمهورية العراق،كما ألزم القرار مجلس النواب بتكييف المادة (8/ثانياً) من قانون شبكة الإعلام العراقي رقم (26) لسنة 2015 ، لتأمين التوازن بين السلطتين التشريعية و التنفيذية في هذا المجال .
•  تنفيذ ما تضمنه قانون شبكة الاعلام العراقي الذي اقر مؤخرا وبالذات فيما يتعلق باختيار اعضاء مجلس امناء الشبكة والالتزام بنسبة الكوتا للمراة التي نص عليها القانون.
• تحقيق التوازن الجندري في وزارة الثقافة من حيث وكلاء الوزارة والمدراء العامين ورئاسة الاقسام  وفي المكاتب الاعلامية لكل الوزارات.
*ابعاد قرار التعيين في المناصب الإعلامية عن القرار السياسي والمحاصصة ، فغالبا ما يجري استبعاد المرأة  ليصبح الخيار بين الاعلاميين الذكور.
• اتاحة الفرصة امام الاعلاميات للاستفادة من الدورات التدريبية التي تقدمها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والسعي لبناء قدراتهن وتطوير مهارتهن الصحفية .
• مطالبة السلطة التشريعية تشريع مادة قانونية خاصة بالتحرش الجنسي وعدم اللجوء الى البدائل من المواد القانونية الاخرى مثل(هتك العرض) كون هذه الجريمة تختلف عن جريمة التحرش الجنسي من حيث آثارها وجسامة العقوبة .
• شمول المرأة الصحفية بالمكافأة التشجيعية وكتب الشكر لغرض دعمها في مواصلة العمل وتقديم الافضل في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية .
• توثيق حالات الانتهاكات  التي تتعرض لها الصحفيات وبشكل مستمر من خلال استحداث مركز رصد ومتابعة في هيئة الاعلام والاتصالات ونقابة الصحفيين والاتحادات والمنظمات ومقاضاة الجهات المسؤولة وتشجيع النساء الصحفيات للابلاغ عن حالات الانتهاكات من خلال حملات توعية وتثقيف.
• اعتماد نظام العقود الرسمية في القطاعات الخاصة لغرض حماية المرأة الصحفية من قطع الراتب او الفصل بدون مبرر ومحاسبة المؤسسة التي لا تلتزم بذلك.
• تغيير الصورة النمطية السائدة عن المراة في وسائل الاعلام والعمل على وضع ستراتيجية اعلامية تغير تلك النظرة وتعزز من مكانة المراة في المجتمع من خلال انتاج برامج وتقارير تعزز من مكانة المراة وتظهر منجزاتها ودورها واستحقاقتها الدستورية