على مر التاريخ لم يُحكم العراق من ابنائه بشكل مطلق إلا مدد قصيرة باستثناء ما قبل الميلاد وكأن تكوينة الشعب العراقي هي من اسهم بهذا الأمر، وتجسد ذلك في الحكم العباسي إذ حكم المأمون العراق والأمصار الإسلامية إلا أنه وقع تحت تأثير الفرس، مثلما وقع المعتصم تحت تأثير أخواله الأتراك إلى الحد إلذي أدى إلى نقل مقر الخلافة لمدينة سامراء، وتناوب الفرس والاتراك على حكم العراق في العصور السابقة وأحيانا يتم تنصيب حاكم للبلاد بمباركة من إحدى هاتين القوتين حتى تولد شعور أن هذا البلد سيبقى تابعا على الرغم من أنه أحق أن يُتبع من الآخرين. لدينا شواهد كثيرة من هذا القبيل في التاريخ المعاصر، فبعد ثورة العشرين رفض العراقيون تنصيب أي ملك للعراق من أبنائه، لكنهم قبلوا بالملك فيصل من أرض الحجاز في حين أن السوريين رفضوا تنصيبه ملكاً لهم وأعلنوا رأيهم القاطع بأن أهل سوريا أولى بذلك، والعراقيين وحدهم اتفقوا عليه ملكاً في حين أختلفوا في تنصيب إي ملك عراقي عليهم. وهذا التاريخ المرير أشعر العراقيين أنهم قاصرون ولابد من أن يتولى أدارتهم شخص من غيرهم، وبات الشعور بالقصور في القدرة على الحكم من أبجديات الشعب الذي يسكن هذه الارض وأيقن بضرورة وجود الحاكم الأجنبي، كما عزز أطماع دول الجوار ومنها تركيا بأن العراق جزء من الباب العالي وعليه أن يخضع لها وأعطت لنفسها الحق في اجتياح حدوده وخرق سيادته من دون واعز أو خوف، ولمسنا كيف أن الكثير من أبناء هذا البلد يعتقدون أن أنتمائهم لسلطات الباب العالي المتمثلة بأوردغان أفضل لهم من البقاء تحت إرادة العراق المحكوم فعليا من القوى الأخرى بحسب وجهة نظرهم، لذا فأن وجود هذه القوات في الموصل هي صمام أمان لهم. وربما لا يعترض الكثير من العراقيين لو دخلت قوات إيرانية البصرة لعدم شعورهم بخطرها عليهم ومن المؤكد سنسمع اصوات أخرى تدعو إلى طردها لانها قوات غازية بحسبهم. تركيا لم تفهم اللعبة جيداً ودخلت العراق عن طريق حلفاء ضعفاء، كما ورطت نفسها بتدخل عسكري مدان من دول العالم كلها لعدم وجود مبرر يحظى بالقبول، في حين دخلت القوى الأخرى عن طريق تقديم دعم عسكري ولوجستي منذ 2003 ولغاية اليوم ولاحظنا ذلك بوضوح حين داهم خطر داعش بغداد. إيران دخلت العراق من بوابة قتال داعش والقاعدة والعالم كله لم يعترض عليها إلا قليلاً ومن بينهم اميريكا، وقدمت السلاح والمشورة للجيش العراقي وللفصائل المقاتلة في جبهات القتال وهنا يبدو الفرق شاسع بين تدخل مدروس ومبرر وبين تدخل آخر مرفوض وغير مبرر ويبقى العراق قاصرا تحت الوصاية حتى يبلغ سن الرشد وربما ستطول مدة مراهقته ونحن بأنتظار بلوغه سن الرشد.
|