ولادات مبكرة ، وأجنة مشوهة ، وسرطان الدم والغدد اللمفاوية منتشر بين الأطفال ، حالات عقم بنسبة غير مسبوقة ، الغالبية العظمى من هؤلاء الأطفال الضحايا ، وُلِدوا للفترة ما بين الحربين 1991 و2003 وما بعدها ، كون أثر التسمم بسبب الحروب بعيد المدى ، تجول فريق (DW) في أهوار الناصرية ، وهي تعاني من تراكم النفايات ، وعدم وجود شبكة للصرف الصحي وبلا كهرباء ، فيقول الطبيب العراقي المقيم في (ألمانيا) ، والذي يزور الأهوار كل حين لفحص الأطفال ، أن ثمة طفل مريض مرضا خبيثا خصوصا (اللوكيميا) ، في كل عائلة تقريبا ، وفي البصرة ، أمتلأت مقابر الأطفال حتى لم تعد تسعهم ، فتقول الأحصائيات ، ان 7- 8 أطفال يموتون باليوم في البصرة وحدها !. تكون الأمراض على شكل سرطان الدم (الللوكيميا) ، الأورام المختلفة ، سرطان الغدد اللمفاوية (اللمفوما) ، بالأضافة الى توفر أرضية صالحة لنشوء هذه الأمراض وهي ضعف المقاومة وعدم توفر الأدوية والعلاجات بسبب الحصار المجرم ، وصمة العار في جبين ما يسمى المجتمع الدولي ، وهو يعلم ، أن جريمته هذه ستؤدي الى استقواء النظام ، وتدمير الشعب ! . خلال الحروب الكثيرة التي ابتلى بها البلد ، استخدمت الجيوش الأجنبية اليورانيوم المنضب والقنابل الحرارية وقنابل الفسفور ، وكلها خطرة وملوثة للبيئة ، وترك مئات من الأليات المدمرة والصدئة المنتشرة في جنوب العراق وخصوصا في البصرة والناصرية ، أحد هذه الأماكن ما يطلق عليه البصريون (شارع الموت) ، المليء بالمخلفات المشعة على طريق (بصرة سفوان) ! ، بالأضافة الى 7 أماكن موبوءة في الناصرية ، معظمها يلعب قربها الأطفال دون أسيجة خاصة وبلا حتى لافتات تحذير وهذا أضعف الأيمان ، وأقل ما تفعله وزارة البيئة ..الولايات المتحدة امتنعت عن اصدار اي بيانات فيما يخص أثر المواد المشعة أو كمياتها التي استخدمت ، لكن البييانات الصادرة عن منظمات مستقلة تقول أن ثمة 400 طن من اليورانيوم المنضب (منثورة) على تربة البلد ! . ونترك مواقع البؤس والفقر والمرض والموت في العراق ، لنتجه الى الثراء والأناقة والابّهة والغنى في دول الخليج ، ففي أبو ظبي ، يُقام كل سنتين ، أكبر معرض للأسلحة في الشرق الأوسط ، وفي العام 2015 ، شاركت فيه أكثر من 1000 شركة لتصنيع السلاح ، وكان وزير الدفاع السعودي ، الذي يقود حربا شعواء على اليمن ، من أكبر زبائن هذا المعرض ، يتجول مع (ابناء العم) بدشاديشهم ويشماغاتهم وعگلهم في أرجاء هذا المعرض ، وكأنهم يتفحصون ثلاجات وأجهزة تلفاز منزلية ، هم تافهون الى درجة ، انهم لا يتخيلون ، ان ثمة كدس من جثث البشر وبُرَك للدماء ، ازاء كل سلاح معروض ! ، ولكن الذي أثار عجبي ، ما قاله ممثل شركة إماراتية اسمها (البركان) ، قائلا : ننتج انواع الذخائر من صواريخ وقنابر هاون ، وعندما سأله مراسل (DW) ، عن مدى خلو أسلحتهم من اليورانيوم المنضب ، قال (أسلحتنا صديقة للبيئة) !! ، وأقول ، هل هي صديقة للبشر يا غبي ، كم تساوي البيئة اذا أبيد سكانها !؟ ، فليس من المهم في نظر هذا التافه ، كم روح ستُزهق ، أهم شيء ، ارضاء المنظمات البيئية ! ، وأسياده من تجار الحروب ، لا يتحدث رواد هذا المعرض من تجار الموت عن الحروب والضحايا ، يقول السيد (يان فان أكين) العضو في البرلمان الألماني عن حزب اليسار (لا أحد يتحدّث عن جثث الموتى في هذا المعرض الأنيق) ! ، حاول فريق قناة (DW) محاورة ممثلة أحدى الشركات الأمريكية المنتجة للذخائر والمشاركة في معرض (أبو ظبي) ، عن مدى خلو ذخائرهم من اليورانيوم المنضب ، فأجابتهم بإبتسامة صفراء (لا تعليق) !. ونحن نعلم ان هدف هذه الأسلحة هو اما العراق أو اليمن أو سوريا ، أو أفغانستان ، وأختصاص هذه الأسلحة هو أغتيال الفقراء والأبرياء ، فأي استخفاف بالحياة ، معشعشة في عقول هؤلاء ؟! ، وأسلحتهم هذه ، مع سماسرتها ، ومصنعيها ، ومستضيفيها ، هي السبب ، في البلاء والشقاء والتشرد والموت والدمار وموجات اللاجئين ، فغالبا ما تجد هذه الأسلحة ، العشرات من القنوات (الرسمية أحيانا) ، لتقع بيد الأرهابيين ، والفطائس الأنتحارية التي تقتل شبابنا !.عند ضرب الأليات باليورانيوم المنضب ، تقوم بخرقها بسبب الزخم العالي الذي نتنجه مقذوفات اليورانيوم الثقيل على الآلية ، مما ينتج غبارا مشعا خطِرا جدا ، يمكث طويلا في الأجواء الصحراوية والجافة ، يؤدي استنشاقه الى دخوله الدم وبالتالي استقراره في نخاع العظام مما يسبب سرطان الدم واللمف خصوصا عند الأطفال ، بل ينتقل الى حامضنا النووي (DNA) ، مما يسبب فيه الطفرات الوراثية التي تنتقل الى الاسلاف فننجب أطفالا مشوّهين ! . جهود فردية قام بها أطباء عراقيون ، وبالتعاون مع الطبيب البريطاني (كيرسي باسبي) ، وقد قاموا بأرسال عينات من أخشاب الأشجار قرب المناطق الموبوءة ، ليجد مستويات عالية من الأشعاعات في لحاء هذه الأشجار ، فماذا عن البشر ؟، وقد بين هذا الطبيب أن ذلك سيؤدي الى وفيات مبكرة عند الاطفال ، مع انخفاض ولادات الذكور بالنسبة لولادات الاناث ، وقال ان هذه الأشعاعات ، سببت أيضا نسبة وفيات بلغت 38 ضعف !. في العالم 2014 ، تقدم (العراق) بطلب الى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب المساعدة أمميا للتخلص من آثار هذه الأسلحة ، فكان التصويت بالأجماع ، مع اعتراض الشيطان الرباعي (أمريكا ، فرنسا ، بريطانيا ، إسرائيل) ، مع امتناع (ألمانيا) عن التصويت ! ، ألمانيا التي أصدرت وزارة دفاعها بينا تقول فيه (لا يوجد دليل موثوق على آثار استخدام اليورانيوم المنضب ) ، مما دعا بالسيد (يان فان أكين) بالقول (أن دبلوماسية بلدي ضعيفة ومخجلة )!. القانون الدولي ينص على وجوب حماية المدنيين من تأثيرات الحرب ، ولدينا الدليل الدامغ ، فأين حكومتنا بوزاراتها المعنية من إثارة هذه القضية أمام الرأي العام ؟ ، لكن إذا كان السيد جلال الطلباني ، والمحسوب علينا وابن جلدتنا ، وهو رئيس مجلس الحكم ، وأكبر رأس في الدولة ، نراه يقاطع إحدى الصحفيات ، وهي لم تكد تنهي شكواها عن مخاطر اليورانيوم المنضب ، موبّخا لها قائلا لها (هذه إشاعات) !!! ، وقد تطرّقتُ الى ذلك في أكثر من مقالة ، فلماذا العتب على مجرمين ارتكبوا هذه الفضائع ؟ ، وهل نرجوا الرحمة من مجرم متمرّس ؟
|