يغرقون في كأس ويبحرون في أنهار |
بداية لست من معاقري الخمر لذلك اجد نفسي محاورا حياديا بعيدا عن التعصب والانغلاق . في عالمنا المعاصر كل القوانين والدساتير والأعراف تؤكد على موضوعة الحقوق المدنية والحريات في اشكالها وصورها المتعددة بعيدا عن التهور والاعتداء على حريات وخصوصيات الاخرين على اعتبار ان الحرية ترتبط بالوعي والإدراك ، فهناك حرية العقيدة وحرية التعبير وحرية الاختيار والانتخاب واحترام حقوق الانسان المدنية وتطلعاته الفكرية وما الى ذلك من الحريات الأساسية التي تقرها القوانين والدساتير والشرائع السماوية . هذا في المجتمعات التي تؤمن ايمان مطلق بحرية الانسان وكرامته ، اما في مجتمعاتنا فالقوانين والتشريعات لصالح اصحاب السلطة والقوة وأنها جاءت لخدمتهم وتسهيل مصالحهم وأهدافهم وامتيازاتهم لذلك يشك في نزاهتها وواقعيتها على اعتبار ان سن تلك القوانين في غفلة من الزمن يخضع لغايات مرسومة مسبقا اضافة لما تلعبه العوامل الخارجية من تأثير مباشر او غير مباشر .
قانون تحريم استيراد وتصنيع وبيع الخمور الذي بشر به العراقيون النائب عن دولة القانون محمود الحسن اضاف اليه تشريع آخر من صنعه ويتوقع ان يأخذ براءة اختراع في ذلك ، هو احالة كل فرد او حزب او بالمختصر المفيد احالة الشعب العراقي الى القضاء بمجرد التفكير في انتقاد هذا القانون او الاعتراض عليه او رفضه بالمطلق معتبرا ان الانتقاد هو انتقاد لشريعة الله وشريعة السماء !! على اعتبار ان شريعة الله وقوانينه الالهية وعدالته طبقت على الواقع العراقي من قبلهم وجنينا الخير والرفاهية والعدالة والتقدم . ما هذا الارهاب الفكري والاستخفاف وبشاعة التسلط وقرف الكلام ! في حين اعتبر النائب يونادم كنا هذا القانون يتناقض ومضامين المادة الدستورية الثانية التي تمنع اي تشريعات تتناقض مع الحقوق والحريات الفردية ومبادئ الديمقراطية
الذين سعوا لإقرار هذا لقانون وفرضه في غير اوانه والبلد يمر بأصعب مرحله في تاريخه في مواجهه الارهاب وشبابه يفترشون الارض والجبهات دفاعا عن سيادته ووحدته ومصيره ومستقبل ابناءه ، اعتبروا المواطن مجرد سلعة او بضاعة او شيئ ، اي انزاله من صنف البشر من خلال سلب خصوصيته وحجب سعادته والتعرض لحقوقه وحرياته . اي انه اصبح سلعة او وسيلة لإشباع رغبات الغير من الذين يختلفون عنه فكريا وعقائديا ودينيا ، وان وجوده في هذه الدنيا يقترن بالشقاء والاستغلال والعبودية ولا يحق له الاستمتاع بمباهج الحياة وسعادتها ، وهذا بمفهومه اشد انواع القهر والظلم والعدوانية . وقد جسد احد المتضررين من تنفيذ هذا القانون بعبارة لها معنى كبير ( يغرقون في كأس ويبحرون في أنهار ) !!!
المجتمعات المتقدمة غالبا ما تجابه المشاكل والأزمات والمعوقات بطريقة شجاعة في التصدي والاجتهاد في الحلول ودراسة الواقع بحيث تضع الحلول المختلفة للمشكلة الواحدة على عكس الدول التي ابتليت بطبقة سياسية فاسدة جاهلة متخلفة تريد فرض رؤاها وأفكارها وأيدلوجيتها التي تؤمن بها على شعوبها ، لذلك يلاحظ ان تلك الحكومات وأنظمتها المتخلفة تستثمر وقتها وجهدها وأمكاناتها لفرض قوانين وتشريعات تعالج التفاهات والصغائر والغيبيات القائمة على التصورات والاجتهادات والعواطف بعيدا عن المنطق والواقع في وقت يغرق البلد فيه بأنواع من المشاكل والمعوقات والأزمات . لماذا تثار تلك المواضيع في بلد لم يعرف الاستقرار والوحدة والعدالة والمساواة ؟ اذن لا معنى لأدانة ما توصف بالرذائل في قواميسهم من دون كشف الجرائم وهدر المال العام والدم العراقي وتخلف البلد على كافة المستويات بظل تلك العقول !
قانون منع الخمور لا يشكل اهمية تذكر لغالبيه الشعب العراقي الذي يئن من تخبطات وفساد الحكومات المتعاقبة منذ 2003 ، ولكن الخوف من تبعات هذا القانون وما يمكن ان يصاغ في الغرف المظلمة لوأد أسس الدولة المدنية والتضييق على الحريات العامة وما تتعرض له المرأة العراقية من تهميش لدورها والتدخل الفج في خصوصيتها وملبسها لحد وصل الى التدخل في مقاسات أزيائهن وحرمة تعاطي العطور والتزين والتبشير بعزل البنين عن البنات في المعاهد والجامعات ، ولا نستثني المدارس الابتدائيه وما تتعرض له التلميذات من فرض الحجاب من دون رغبة ذويهم وهَن في عمر الورود . والدعوات والشعارات التي تملئ جدران الدوائر الرسمية والشوارع بحرمة الغناء والابتسامة والموسيقى وتسفيه من يدعوا للمسرح الجاد والمهرجانات الفنية والموسيقية والرياضية . ختاما نقول ان العراق ليس ضيعة للمسؤول وحزبه والأمل كل الأمل على الشعب العراقي الذي أسس المدنية والتحضر على مر العصور ، وعشق الحياة والسعادة وحارب التخلف والعتمة ونشر قيم السلام والمحبة والجمال ان يدافع عن حقوقه وحريته وأسس دولته المدنية .
|