الفكر الإسلامي وعقلية الأحتواء




منذ أن عرف المسلمون نص قرآني يقول (إن الدين عند الله الإسلام) وهم يرددون نصا أخر بذات المعنى على أنه قاعدة الوجوب الأولى (ومن يأت بغير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين)، هذه الفكرة بمضمونها الأحتوائي تقصي كل الأديان عن التشرف بكونها حق متساو للجميع في الإيمان بها والخيار قرار بيد الإنسان، العقلية الدينية التي تؤمن بحدود النص أيضا لا تريد أن يكون هناك منافس للإسلام كدين، بل تريد وتعمل على جعل الفوز بمعناه الوارد في مفهوم المعاكسة النصي هو الغالب، أولا لأعتبارات أنهم يحبوا أن تكون الناس كلها فائزة ولاسيما من كان له إيمان بدين سابق، فأولئك لهم تجربة مع الله ويعلمون معنى الخسارة. 
الذي لا يفطن له الكثير من قادة الفكر الإسلامي وليس النص الديني أن مفهوم الإسلام أقدم كقيمة إيمانية من نزول الدين الخاتم والذي أسمه الحقيقي الدين المحمدي، الدين الذي ختمت به الشرائع وفتح فيه باب العقل البشري ليكون نبي كل زمان طالما أن يفهم مقاصد الدين، فمن لا يعرف أن الدين الذي جاء متواترا ومتتاليا كان الهدف منه أن يكون العقل البشري هو القاعدة المشرعة للوجود بما بتأهل به من أساسيات التعقل المثالية، سوف لن يفهم الدين ويعيش على هامش الظن والتفسير والتأويل الأعتباطي للنصوص، فليس كل من تخرج من كلية الطب مثلا أصبح مبدعا في البحث الطبي والتطوير والتجديد، فمنهم من يقض العمر كله لا يجرؤ على أن يفعل أكثر مما تعلم على يد أساتذته ولو فتحت له ل الفرص، ومنهم من يصنع من تجربته التعليمية مفتاحا لكل جديد في الطب وحتى يمزج الخيال العلمي مع علمه التطبيقي.
بعض رجالات الفكر الديني أيضا يبقى جامدا عن حدود النص ويتقيد بالبناء اللفظي ولا يجرؤ حتى على منح نفسه فرصة للتأمل بوجود معنى أخر مضمر أو باطني أو حتى أحتمالي من خلال أستخدام اللغة، الإسلام بالنصوص القرآنية هو كل تسليم لله بحقيقة خالدة أن الرب الخالق إنما يبعث الرسل لغرض وحيد هو أن يجعل الفرد الإنسان في أفضل الخيارات وأحسن موارد العمل ليعيش مكرما بما أنعم الله عليه، فهو مسلك لأنه فعل بالتسليم بهذه الحقيقة وعاشها عقليا عندما ينصاع لإرادة الله بالتفكر والتدبر والتعقل، لذلك قيل ساعة من التدبر خير من عبادة ألف عام.
القضية إذن ليست في العبادة بل بالتفكر، والتفكر يقود دوما بوعي المؤمن إلى الأكتشاف الضروري لمعاني الوجود(ربنا ما خلقت هذا أطرا ولا بطرا)، هذه المعاني في الإسلام هي التي تعنون وعيه الوجودي وهي التي تشرعن الإسلام كدين لن يقبل الله بديلا عنه، لقد كان إبراهيم عندما كلفته السماء بالرسالة وباشر في حث العقل على التدبر كما فعل هو، هو من اطلق على أتباعه لفظ (المسلمين) وموسى وعيسى وما بينهما من أنبياء كلا كانوا مسلمين، فهل نترك إسلام هؤلاء وكلهم رسل وأنبياء ونحن نقر لهم بالحق والحقيقة أنهم كذلك، ونعود لنحشر أنفسنا لوحدنا في عربة الإسلام التي تسير على سكة الحق منفردة؟، سؤال برسم من يعبد النص ويقدمه على القصد ولا يتعبد بالفكرة كونها الجوهر منه.
الدين في كل مضامين الرسالات رحمة من الله الذي هو رب الناس مؤمنهم ومنكر الإيمان وهو المسئول عن تحديد الفائز والخاسر، وليس هناك بديل عن هذا الإقرار فلماذا نتدخل نحن في أعطاء صكوك الفوز وصفات الخسران للناس، من حقي كمؤمن بدين أن أشرح للناس عقيدتي ومن حق الناس أيضا أن تفهم ما أقول، ولكن ليس من حق أحد أن يفرض ما لا يتوجب ولا يستوجب أن يكون، الرحمة مدار أعتقاد من أرادها وسعى لها سيجد الله في كل طريق يمكن أن نجد في الخير والفضيلة والحق والإنسانية والجمال، وبالتالي مقولة أن الله جميل يحب الجمال واحدة من سلسلة مقالات منها الله خير يحب كل خير، والله فاضل يحب كل فضيلة، إذن الله هو العنوان وليس الدين هو العنوان في الفوز والخسارة، فمن عرف نفسه وما تريد عرفه ربه وما يريد.
فعندما نؤمن أن الله هو جوهر قضية الإيمان وليس الدين الذي هو رؤية الله لنا وأمنيته أن نكون، ممن يلتزم بخططه العقلية ويتدرب على أن يكون عقله قارئ جيد للخطة الربانية، عندها سيكون العالم كله مسلما ليس بالهوية ولكن بالفعل الذي يريده الرب لنا، وعندها أيضا ستختفي المسميات ويبقى العنوان إن الدين عند الله الإسلام الذي لا يفرق بين الإنسان والإنسان لمجرد أنه يحمل فهما أخر للقضية، وعندما يدرك الفكري الديني الذي يؤمن بأن إقصاءه للأخر هو نتيجة فهم مغلوط لحقيقة الإسلام سنمضي جميعا إلى ما هو فوز لكل ولا يخسر أحدنا فرصة ولا يضيع أحدنا الهدف، الأحتواء أذن منهج معادي لقضية الإيمان ومفسد له بل ومحطم لعروة الوثوق بالله ربا للجميع، لأنه فقط من يمكنه أن يصنف وفقط من يمكنه أن يعلم الحقيقة المطلقة دون وسيط.