من خلال البرامج الإخبارية والسياسية التي كانت تتناقلها الفضائيات وخاصة العراقية منها لمتابعة مجريات تقدم جحافل الجيش العراقي وقوّات البيشمركة على محاور الموصل، عرضت قناة الشرقية برنامج "بالحرف الواحد" لمقدمه الإعلامي أحمد ملاّ طلال، وذلك يوم الأثنين المصادف السابع عشر من تشرين الأول/2016م، وحيثُ كانوا ضيوف البرنامج في الأستوديو كل من: حاكم الزاملي رئيس هيئة الأمن والدفاع في مجلس النوّاب العراقي، وظافر العاني عن كتلة "متحدون للإصلاح" وكنائب في المجلس المذكور أيضاً، ومن خلال الهاتف كانت السيدة أشواق الجاف النائبة في المجلس عن الحزب الديمقراطي الكردستاني. ومن خلال أسئلة مقدم البرنامج وأجوبة المشاركين عليها، والتي لم تكن تخلو من المماحكات والمطبّات التي كان يثيرها مقدم البرنامج وبمهنية الإعلامي المتمرس، فقد أوصل المشاركين فيها الى نقطة مهمة تُعتَبَر مثار جدل وطني وإقليمي ودولي، ألا وهي التدخل العسكري التركي المباشر بجيشه النظامي المزوّد بالأسلحة والمعدّات الحربية الثقيلة وعدّة وعدد يصل الى الألفين (لم يُعرف تماماً عددهم بالضبط، لكن الأنباء المتسربة تتحدث ما بين 600 ـ 2000 عنصر) من جنود النُخبة للجيش التركي!!. لقد حاول النائب ظافر العاني (متطوعاً) الدفاع عن التواجد التركي العسكري ومبرراً قرار أردوغان في إصراره على إحتلال جزء من العراق!!، ومقحماً نفسه كمحامي دفاع عن تركيا وبحجج أثبتت ومن خلال تلعثمه بالكلام من أنها واهية وغير منطقية بدءً بمخاوف تركيا من حزب العمال الكردستاني أو جناحه العسكري (PKK) وصولاً الى خوفها من التدخل الإيراني في العراق، حتى إنتهى الى النقطة الأساسية وبيت القصيد في تفكيره وهي خوف الجانب التركي من محاولة الأطراف المؤثرة في المعادلة العراقية الى تغيير الواقع الديموغرافي لبعض المناطق، والتي فنّدها له المشاركين الآخرين في الندوة (حاكم الزاملي وأشواق الجاف) بالإضافة الى مقدم البرنامج، وحيثُ أصبح في موقف لا يحسد عليه في التهرب من الأسئلة وأجوبتها. فبالنسبة للإدعاء والتبرير الأول المتضمن خوف تركيا من قيام الـ (PKK) بعمل عسكري من داخل الأراضي العراقية، فقد تحدى حاكم الزاملي ومعه أشواق الجاف بالإضافة الى توافق مقدم البرنامج معهما الطرف المدافع ظافر العاني في ذكر حادث واحد فقط لعناصر الـ (PKK) التحموا فيه بالجيش التركي وهاجموه من داخل الأراضي العراقية ليكون المبرر للتخوف التركي والمبرر لتواجدهم العسكري داخل الأراضي العراقية وبعمق مئة كيلومتر والواصل الى الحدود الإدارية لثاني أكبر المدن العراقية (الموصل)، فجميع هجمات الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني/التركي تمت من داخل الأراضي التركية. أما الإدعاء الثاني للنائب ظافر العاني بتخوّف تركيا من التدخل الإيراني (وأنا كاتب هذه السطور اؤيده فيه، لكنني أختلف معه في أن يكون مبرراً للتواجد العسكري التركي داخل الأراضي العراقية)، فقد أجاب عنه النائب حاكم الزاملي الذي أحرج خصمه في المماحكة بقوله إنّ الإيرانيين دخلوا كمستشارين حالهم حال العشرين بلداً من الذين أبدوا رغبتهم في المساعدة لتدريب القوات العراقية وإعطائها المشورة العسكرية، وبشكل متفق عليه مع الحكومة العراقية من ناحية أعدادهم وأماكن تواجدهم ومحدودية تسليحهم!! (وهذا على الأقل ما يبدو ظاهرياً) من وجهة نظر بعض العراقيين والمختصين؟!. أما الأتراك فقد دخلوا من دون إستئذان أو مشاورات مع الحكومة العراقية وبجيش نظامي مسلّح بأحدث الأسلحة الثقيلة التي يمتلكها الجيش التركي وبعمق كبير وعسكروا في معسكر إختاروا هم موقعه في "بعشيقة" وعلى مرمى عصا من ثاني أكبر المدن العراقية (الموصل)، وكأنهم ينقلون قطعاتهم داخل حدودهم الوطنية!!!، فمن الذي أذن لهم بذلك، ولماذا لا تزال الحكومة المركزية ساكتة عن محاسبة المتواطئين على هذا الأمر!!!.، ألا يعتبر هذا الأمر خيانة عظمى يجب محاسبة المتورطين فيه ومحاكمتهم ومصادرة أملاكهم المنقولة وغير المنقولة، أم إنه يدخل أيضاً في حسابات مراكز النفوذ والقوى المسيطرة على مقاليد السياسة؟!!. لم يستطع النائب ظافر العاني الإجابة وحاول الخروج من المستنقع الأول والدخول في المستنقع الأكثر منه عمقاً ورداءة، وإنتقل الى المبرر الأخير في جعبتهِ وهو مخاوف أردوغان وحكومته من التغيير الديموغرافي لبعض المناطق وحرصه وتخوفه على بعض المكوّنات العرقية والمذهبية في العراق!!، وحيثُ يعتقد المحللون السياسيون جازمين من أن أردوغان وحكومته والشعب التركي غير متحمسين لها، فلهم مصالحهم وإستراتيجيتهم التوسعية التي بدءوا بالكشف عنها من خلال صحفهم ووسائل إعلامهم المقربة من الحكومة بنشرهم لخارطة تركيا الجديدة، ومطالبتهم بمراجعة معاهدة "لوزان" الدولية التي أُقرّت سنة 1923م بعد سنوات من خسارة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، أي بعد زوال الضغط العسكري للحلفاء على تركيا، ومباركة وموافقة الحكومة التركية على بنودها حينذاك. وما تصريحات أردوغان ورئيس وزرائه من أن الموصل وكركوك كانتا ضمن الأراضي التركية إلا التأكيد على الغاية المبيتة لإحتلال أجزاء من العراق، وحيثُ تناسى من أن تركيا برمتها كانت ضمن الدولة العربية العباسية. وبطرح النائب ظافر العاني لهذا المبرر وجد نفسه ليس فقط أمام خصميهِ في الندوة المذكورة لمحاججته، وإنما أمام تسعة وتسعين في المئة من العراقيين بكل فئاتهم وإنتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية، وفي مقدمتهم من يدعي هو تمثيلهم ولسبب بسيط جداً، وهو إنّ الأمر يتعلق بسيادة العراق وإستقلاله ورفض الجميع لأي إحتلال مهما كانت مبرراتهُ، وهذا الأمر يعود بنا الى الثمانينات من القرن المنصرم عندما وقفت الأكثرية المطلقة من شيعة العراق قبل غيرهم من أبناء البلد لدحر إحتلال إيران للأراضي العراقية عندما تيقنوا من إصرار الجانب الإيراني على الإستمرار في الحرب وغايته إحتلال الأراضي العراقية، وحيثُ أعطوا أعلى نسبة من الشهداء في تلك الحرب، وهذا الأمر لا يختلف عليه خصمان. ولو سلمّنا جدلاً بالمبرر الأخير الذي إستخدمه النائب ظافر العاني للإحتلال التركي وتمركز جيشه بالقرب من بعشيقة، فعليه وعلى مَنْ يتفق مع رأيه أن يعطي المبرر أيضاً للإستعمارين الفرنسي والإنكليزي لإحتلالهم بعد الحرب العالمية الأولى لأجزاء من الدول العربية التي كانت تحت سيطرة الأمبراطورية العثمانية، وبحجة حماية المسيحيين في تلك البلدان، الذين عانوا من الإستعمار العثماني أكثر من غيرهم!!!!. كذلك على النائب ظافر العاني أن يعطي المبرر للحملات التي أطلق عليها بـ "الصليبية" والتي عبرت البحار حاملةً نفس المبرر لحماية مسيحي الشرق من التغيير الديموغرافي والديني الذي حصل لهم نتيجة التبشير بالدين الجديد والقائم على الإنتشار بالقوة، وهذا الأمر مثبت بكتب التاريخ ولا خلاف عليه بين جميع الفرقاء. وعلى السيد ظافر أيضاً أن يوافق على الإحتلال الأمريكي الأخير للعراق والذي رفعت فيه الإدارة الأمريكية شعار تخليص مكوّنات عراقية محددة من الإستبدادية والسيطرة المناطقية على كل العراق. وأخيراً على النائب العاني أن يبرأ العدد القليل من طائفة معينة من طوائف الشعب العراقي الذين نُعِتوا بالعمالة لإيران لتبريرهم حربها مع العراق عند إندلاع الحرب سنة 1980م، فتلك المجموعة بررت إحتلال إيران لجزء من الأراضي العراقية بدعوة حمايتها من ظلم النظام السابق وتهميشه لها. فما الفرق بين التبريرات السابقة لدول الإحتلال عن تبرير النائب ظافر العاني لتركيا في إحتلالها للأراضي العراقية ودخول جيشها مسافة مئة كيلومتر في عمق الأراضي العراقية بدعوة حماية طائفة أو شريحة قومية معينة!!. فهل يوافق السيد النائب ظافر العاني على مبررات المستعمرين الأوربيين والإيرانيين ليطالب الشعب العراقي برمته الموافقة على مبرر الإحتلال التركي لأجزاء من العراق؟!!!، أم إنه أيضاً سيحاول الكيل بمكيالين، وحيثُ يرفض هذا المبدأ ويشتكي منه هو ومن يقف مع رأيه من أنّ أمريكا تكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بين العرب والصهاينة!!. فالمبررات ذاتها لجميع المستعمرين، جميعهم جاءوا من خارج الحدود، وهم ليسوا بعراقيين ولديهم أطماع غير مبرراتهم المعلنة، ومسألة توافقهم أو إختلافهم معنا بالدين لا تعطي المبرر لإحتلالنا، وعلينا جميعاً الوقوف ضدهم. ثمّ وبغير مقدمات وبماغتة ذكية من مقدم البرنامج الإعلامي أحمد ملاّ طلال وجه سؤالاً مباشراً الى السيد ظافر العاني متسائلاً: هل ستفعل كتلة "متحدون" مثلما فعل التيار الصدري وتقوم بتحشيد جماهيرها ومناصريها لتقول لأردوغان "أردوغان بره ـ ـ بره" مثلما صدحت حناجر الصدريين ومن كان معهم من العراقيين بقولهم "إيران بره ـ ـ بره"؟؟؟؟؟؟. عندها سكت ظافر العاني عن الكلام المباح وحاول الإلتفاف على السؤال ولسان حاله يقول: متى ينتهي وقت البرنامج!!!، طبعاً من الممكن للمتابعين معرفة جواب السيد العاني برفضه إدانة التواجد العسكري التركي، ولسبب بسيط هو أنّ بعض العناصر من كتلته هم الذين أعطوا الضوء الأخضر للقوات التركية بالدخول الى الأراضي العراقية. كنتُ أصغي الى ضيفي البرنامج في إستيديو الشرقية وأنا أكاد لا أصدق من إنهما عراقيَين وليس مندوبَين، أحدهما لطهران والآخر لأنقرة. والضيف الوحيد الذي إستطاع أو إستطاعت أن تجيب وتتعامل بحرفية السياسي الوطني (وهذا ما كان ظاهراً على الأقل، وليس لي علاقة بنياتها الغير معلنة) مع الأسئلة هي النائب أشواق الجاف وبلغة عربية فصيحة وسليمة ومؤثرة شدّت اليها المشاهد. كان على النائبين ظافر العاني وحاكم الزاملي أن لا يكونان محاميا الدفاع لدولتين معروفتين تاريخياً بنواياهما ومصالحهما المشبوهة في العراق. وعتب الشعب العراقي على من جاءوا من السياسيين مع قوات الإحتلال الذين جهدوا في تهميش مكوّنات دينية ومذهبية وقومية لها وزنها الإجتماعي والفكري الحضاري والمعروفين تاريخياً بولائهم المطلق ووفائهم للعراق، وحيثُ أوصلوا البعض الغير مدرك منهم ولو على قلّتهم أو الذين لهم مصلحة شخصية أو أطماع سلطوية مناصبية لإستدعاء أو طلب المعونة من بلدان معروفة بأجندتها التوسعية. وعتب الشعب أيضاً على مَنْ يحاول إستغلال سلطته أو "قوة السلطة" بشكلٍ أصح لتغيير الواقع الديموغرافي لبعض المناطق ذو الأكثرية المطلقة من دينٍ أو مذهبٍ أو قوميةٍ معينةٍ أو جميعها معاً، وإستغلال الظرف الإستثنائي لإعادة رسم حدود الخارطة الإدارية المعروفة تاريخياً للمناطق والمدن العراقية. وعدّتُ بذاكرتي وأنا أصغي للمتحدثين (السياسيين) الى زمنٍ بعيدٍ جداً، وعلى قول أهلنا "من قال وبلى" لأتذكر مشكلة داخلية واحدة صغيرة كانت أم كبيرة لم يركض فيها الفرقاء العراقيون (السياسيون) الى الدول العربية أو الإقليمية أو الكبرى لإقحامهم فيها وجعلهم شريك أساسي في تعقيدها وليس حلّها، ولتدخل تلك المشكلة في صُلب مصالح تلك الدول وأجنداتها، وليكون الضحية فيها الشعب العراقي فقط. كما حاولتُ أن أسعف ذاكرتي بقضية أو مشكلة داخلية أياً كان حجمها أو طبيعتها لتلك الدول، فجاءوا سياسييهم الى العراق لإستشارة (سياسيينا) ولأخذ المشورة منهم فقط وليس لطلب التدخل بشكلٍ مباشرٍ في قضايا تلك الدول، عرفاناً منهم بمبدأ المعاملة بالمثل فلم أجد!!!، لابل على العكس من ذلك، فسياسيو تلك الدول ذهبوا حتى الى حكومات جزر (الواق واق) لإستشارتهم ولم يكلفوا أنفسهم عناء رفع سماعة الهاتف لأخذ المشورة لمشاكلهم الداخلية من سياسيينا. حتى الدول الكبرى التي لها مصالح في المنطقة تضعنا في نهاية قوائمها لإستشارة سياسيينا في أي أمر يخص المنطقة، وتضع حكومات دول أو جُزر لا تجاوز مساحتها قرية عراقية صغيرة في أولوية أخذ الرأي والمشورة!!!، أو ربما لا تستشار سياسيينا مطلقاً!!!. فلماذا يرغب السياسيون العراقيون أن يكونوا دائماُ تابعين مذلولين على أن يكونوا مستقلين بقراراتهم ومرفوعي الرأس بوطنيتهم؟؟؟!!!. وقد يؤشر البعض من إخواني وأبناء بلدي وقرائي موقفي المضاد لما ذهب اليه النائب العاني، وخاصة في هذا الظرف المتشنج والغير مستقر على ما يبدو ويدعون من أن المقالة قد ركّزت على ضيف واحد في الندوة المذكورة دون الآخريَن، والحقيقة فإنّ اللقاء المذكور فرض هذا التوجه، وإتجهت مناقشاته بإتجاه التدخل العسكري التركي المثير للجدل وطنياً وإقليمياً ودولياً، والذنب كل الذنب يقع على عاتق السيد ظافر العاني الذي أقحم نفسه كمحامياً عن التواجد التركي دون طلب من أحد!!، وبرز أكثر من غيره مدافعاً عن تواجد أجنبي غير مبرر على الأراضي العراقية. واللقاء المذكور عرضته قناة الشرقية المعروفة بتوجهاتها وجهاتها، وحيثُ كان من يدير الندوة الإعلامي أحمد ملاّ طلال متجرداً من أي إنتماء عدا إنتمائه الوطني، وهذه صفة الإعلامي المهني المتفوق، وهذا الأمر يُحسب له وللقناة التي يعمل لها، وأملنا أن تحذو حذوها جميع القنوات الأخرى. |