طَرِيقُ الْتَّغْييرِ آلْمَرْجُو! [٢١] وَالأَخِيرة

 

   بالنِّسبةِ الى القضيَّةِ الثّانيةِ المُتعلِّقةِ بقانون الأَحزاب؛ 

   فانَّ للتَّمويل المالي لكلِّ حزبٍ من الأَحزاب والكُتَل السياسيّة حسّاسيّة كبيرة جدّاً، اذ لا يخفى على أَحدٍ أَنَّ التمويلَ يلعبُ دوراً هامّاً ورُبما مِفصليّاً في تحديد التَّوجُّهات العامّة للحزبِ، كما انَّ التَّمويل المالي يُؤثِّر بشكلٍ مباشرٍ على سياسات الحزب وقراراتهِ ومواقفهِ، فضلاً عن هويَّتهِ وإِنتمائهِ وولاءاتهِ بل وحتّى رسالتهِ.

   ولهذا السّبب ينبغي أَن يتعامل قانون الأَحزاب بصرامةٍ وحزمٍ أَكبر مع مُفردةِ التَّمويل المالي للأَحزاب السّياسيّة! إِذ ينبغي النّص على مُراقبة حركة التّمويل المالي والتّدقيق بكلّ شفافيّة.

   كما ينبغي ان يُحدّد القانون مصادر التّمويل المالي للأحزاب السّياسيّة، والتي تنحصر عادةً في المتبرِّعين والدّولة، بوضوحٍ وشفافيّة في إِطارِ نظامٍ رقابيٍّ وآخر للمحاسبة صارم وشديد!.

   ولا أَكشفُ سِرّاً هنا اذا قلتُ جازماً، وبناءً على معلوماتٍ دقيقةٍ، إِنَّ مصادر تمويل كلّ الأَحزاب السّياسية الحاليّة التي تشترك في السُّلطة بشَكلٍ أَو بآخر، أَحد إِثنَين أَو كِلاهما؛

   الأَوَّل؛ المال العام المسروق بشكلٍ من الأشكال وبعناوينَ مُختلفة، وكلُّنا سمعنا وقرأنا عن [اللّجان الاقتصاديّة] التي تمتلكها الأَحزاب في الوزارات التّابعة لها! والتي مهمَّتها المُصادقة على العُقود حتّى قبلَ مُصادقة الجهة الرّسمية عليها، طبعاً ليس قبل ضَمان النّسبة غير المعقولة من الفائدة التي ستعود للحزبِ والتي تضعها وتشترطها الّلجنة قبل منح الموافقة على أَيّ عقدٍ!.

   امّا بيع وشراء المناصب والمواقع والمسؤوليّات، المُهمّة والسّياديّة والحسّاسة منها والثّانويّة، فحدّث عَنْهُ ولا حرَج! وهو الأَمر الذي يعودُ اليه السّبب المُباشر لتغوُّل الفساد والفشل في مؤسّسات الدّولة وخاصّةً في المؤسّسة الأَمنيّة والعسكريّة عندما كان مكتب القائد العام السّابق للقوّات المسلَّحة يبيع المناصب الأَمنيّة والعسكريّة لمن يدفع أَكثر بغضّ النّظر عن مهنيّتهِ ونزاهتهِ وكفاءتهِ وقدرتهِ على القيادة الفعليّة والحقيقيّة، الأَمر الذي تسبَّب بتمدُّد فُقاعة الارهابيّين في عهدهِ المشؤوم لتحتلَّ نصف العراق!.

   ولا ننسى حجم التّمويل الذي تحصل عليهِ بعض هذهِ الأَحزاب من البترول المسروق والضّرائب المسروقة على طول الحدود التي تسيطر عليها! وهكذا!. 

   الثّاني؛ الجيران والقِوى الاقليميّة والدَّوليّة، كلُّ حزبٍ حَسْبَ إِنتمائهِ وهويّتهِ وخلفيّتهِ! وإن كان بعضهم عابراً للمذهبيّة والإِثنيّة بهذا الصّدد فحسب!.

   إِنَّ لكلِّ واحدٍ منها ميزانيّةٌ شهريّةٌ مُخصّصةٌ لهُ يستلمها من جهة خارجيّة أو أَكثر! فضلاً عن الهدايا والهِبات!. 

   ولهذا السّبب فانا أَجزم هنا انّ هذه الأَحزاب السّياسية، ومن دونِ استثناء، لها دورٌ كبيرٌ وواسعٌ في تكريسِ الفسادِ والفشل من جهةٍ، وفي اغتيالِ سيادةِ الْعِراقِ وهَيبَتهِ في المنطقةِ والعالَم من جهةٍ أُخرى!.

   إِنّ حجم التّمويل المالي الذي تحصل عليهِ هذهِ الأَحزاب من خارجِ الحدودِ هو الذي أَثَّر بشكلٍ واسعٍ على قراراتِها وطريقةِ تعاملها وتعاطيها مع القضايا الوطنيّة لدرجةٍ أَنّهُ صادر إِستقلاليّتها وقضى على حِسَّها الوطني بشكلٍ كبيرٍ! ما تركَ ظِلالهُ على سيادةِ الدَّولة وهيبتها على اعتبارِها أَنّها أَحزابٌ حاكمةٌ تموِّلها كلَّها قِوىً خارجيَّة!.

   حتّى قنواتَها الفصائيّة تتلقّى دعماً ماليّاً مُباشراً من خلفِ الحدود، ثم يتساءل البعض عن سرِّ غَياب [الدَّولة] في إِعلامنا المملوك والحزبي! أَو يتساءل البعض عن سرِّ غَياب إِعلامنا الوطني الحقيقي!.

   فضلاً عن ذَلِكَ فانَّ حجم هذا التّمويل المالي الخارجي لهذه الأَحزاب حوَّلها وبالتّالي حوّل البلد الى حلبةٍ مفتوحةٍ للصّراعات الاقليميّة والدّوليّة، ولذلك مثلاً رأينا في كلِّ مرَّةٍ أَرادت فيها هذه الأَحزاب تشكيل مؤسّسات الدَّولة بعد كلِّ انتخاباتٍ برلمانيَّةٍ، أَنّها تبدأ برحَلاتٍ مكوكيَّةٍ الى هذه العاصمة الاقليميّة أَو تلك وتبدأ إِتّصالاتها بالخارجِ لتسهيلِ مُهمَّتها! وكأنّها تستلم الأَوامر منها فيما يخصّ تسمية كلّ مسؤول في موقعهِ حتّى إِذا كانَ سياديّاً، وبالتَّفصيل المُمِلّ!.

   أحزابُنا حصانُ طَروادة للقِوى الخارجيّة! كلٌّ حَسْبَ إِنتمائهِ! وأحياناً في كلِّ الاتّجاهات! أي عالميّاً!.

   كما تركَ ألْفَسادُ في التّمويل المالي للأَحزابِ والكُتل السّياسيّة أَثَرهُ السّلبي الكبير على العمليّة الانتخابيّة ونتائجها، فعندما تُكلِّفُ الحملة الإِنتخابيَّة لأَحدِ المُرشَّحين ملايين الدّولارات وهوَ لا يمتلك قوتَ يومهِ! فبالإمكان أن نتخيّل حجم الفساد المالي في حملتهِ الانتخابيّة!.

   وقِس على ذَلِكَ!.  

   حتّى في المواقف السّياسية إِزاء أَيّة قضيّة من القضايا الوطنيّة أَو الاقليميّة أَو الدّوليّة فانّ كلّ حزبٍ أَو كُتلةٍ تحرص أَشدّ الحرص على أَن تأتي مواقِفها مُتطابقة عادةً أَو قريبةً جدّاً من مواقف [الجهة الخارجيَّة] المُموِّلة!.

   انا أَعتقدُ أَنّ أَحزابنا السّياسيّة الحاليَّة تفتقد الى السّيادة الحزبيّة والاستقلال الحِزبي والانتماءِ الحِزبي الحَقيقي، فهي أَحزابٌ تابعةٌ لقِوىً خارج الحدود وبِنِسَبٍ مُختلفةٍ، فبينما جلس بعضها في حُضنِ المموِّل المالي بالكامل نتيجة حجم التَّمويل المالي الضَّخم الذي يتلقّاهُ مِنْهُ! جلس آخرونَ منهُم القُرفصاء أَو جثا على رُكبتَيهِ أَو مُستلقِياً في حُضنِ المُموّل!. 

   اذا لم يحسِم قانون الأَحزاب موضوع التَّمويل المالي لها، فلن نأمنَ على سيادةِ الْعِراقِ وهيبتهِ أَبداً!.     

   *إِنْتَهى