الإمام الحسن ( ع ) ورعاية الفقراء (2)

 

كان حديثنا في المقال السابق عن الظروف الاجتماعية التي ساعدت على بروز صفة (كريم أهل البيت) حتى أصبحت من المعالم البارزة في سيرة الإمام الحسن ( ع ) ، والصفات المميزة لشخصيته العظيمة، وهنا تتمة للحديث نبدأه بسؤال:

 

إخراج الفقراء من الفقر :

ما هي مسؤولية المجتمع تجاه الفقراء؟

إن تعاليم الدين واضحة في رفض حالة الفقر ومكافحتها، بنفس درجة رفض الكفر ومقاومته، فقد روي عن النبي  أنه قال: «كاد الفقـر أن يكون كفرا »[ كنز العمال حديث رقم 16682]  وكان يقول : «اللهم أني أعوذ بك من الكفر والفقر»فقال رجل: أيعدلان؟ قال : «نعم»[ كنز العمال حديث رقم 16687]  وعنه :«الفقر أشد من القتل» [ بحار الأنوار ج 69 ص 47] .

وقال الإمام علي : «الفقر الموت الأكبر»[ نهج البلاغة - حكم 163] .

إن بقاء الفقراء على حالة الفقر يكشف عن خلل كبير في التوازن الاجتماعي، وعن فقدان العدالة والتكافل، ذلك أن الله تعالى الذي خلق الناس تكفل بمعيشة ورزق كل واحد منهم، بل وكل كائن حي.. يقول تعالى ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾[ سورة هود الآية6] . ويقول الإمام علي  : «عياله الخلق، ضمن أرزاقهم، وقدر أقواتهم»[ نهج البلاغة – خطبة 91]  . وهذا الرزق مودع في كنوز الكون وخيراته، فعلى كل إنسان أن يعمل لاستخراج حصته، ولكن من لا تساعده ظروفه الجسمية أو الاجتماعية على أن يأخذ حصته من خيرات الكون مباشرة، هل يسقط حقه ويعيش محروماً؟ كلا.. وإنما فرض الله تعالى على القادرين أن يعطوا ذلك الفقير ما يسد حاجته، يقول تعالى﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾[ سورة الذاريات الآية19] . فإذا امتنع القادرون عن إعطاء الفقراء حاجتهم ومعيشتهم، فذلك ظلم واعتداء. يقول الإمام علي  : «إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متّع به غني، والله تعالى سائلهم عن ذلك »[ نهج البلاغة – حكم 328] .

 

والمطلوب ليس فقط تقديم شيء من المساعدة للفقير، وإنما إخراجه من حالة الفقر، وهذا ما نلحظه من سيرة الإمام الحسن  وسيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام ، فإذا ما جاءهم فقير، أعطوه بسخاء، ما يستعين به على تسيير أمور حياته، وما كانوا يعطون الفقراء (قوت لا يموت) على حد التعبير الشعبي، أو بالقطارة .. واللقطات التي ذكرناها عن كرم الإمام الحسن  شاهد على ذلك.

 

إن الفقير في الاصطلاح الشرعي هو (من لا يملك مؤونة السنة له ولعياله) فعلاً أو قدرة على الكسب، والمؤونة شاملة لكل احتياجاته من (دار السكنى والخادم وفرس الركوب المحتاج إليه بحسب حاله، ولو كانت متعددة مع الحاجة إليها، وكذا الثياب والألبسة الصيفية والشتوية، السفرية والحضرية، ولو كانت للتجمل، وأثاث البيت، من الفروش والظروف، وسائر ما يحتاج إليه..)[ اليزدي، العروة الوثقى مسألة 3 - أصناف المستحقين للزكاة] .

 

ومن فتاوى فقهاء الإسلام حول الزكاة والخمس يتبين أن المفترض أن يعيش الإنسان ضمن (حد الكفاية) وليس (حد الكفاف) فقط، و (حد الكفاف) هو الحد الأدنى للمعيشة من مأكل وملبس ومأوى، مما بدونه لا يستطيع المرء أن يعيش وينتج، فهو غير قابل للنقصان، ولا يختلف باختلاف القوى الشرائية في كل زمان ومكان، أنه يعني الضروريات الأساسية فقط. بينما (حد الكفاية) يعني أن يعيش ضمن المستوى المعيشي السائد في المجتمع، ومن ثم فهو يختلف باختلاف مستوى التقدم في كل زمان ومكان، وحسب موقعية الفرد ومكانته.

 

بل أفتى السيد اليزدي في الزكاة أنه (يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مؤونة سنته دفعة، فلا يلزم الاقتصار على مؤونة سنة واحدة، وكذا في الكاسب الذي لا يفي كسبه بمؤونة سنته، أو صاحب الضيعة التي لا يفي حاصلها، أو التاجر الذي لا يفي ربح تجارته بمؤونة سنته لا يلزم الاقتصار على إعطاء التتمة، بل يجوز دفع ما يكفي لسنين، بل يجوز جعله غنياً عرفياً وإن كان الأحوط الاقتصار)[العروة الوثقى، مسألة 2] .

 

وكل الفقهاء المسلمين يرون إعطاء الفقير كفايته لسنة، ويرون إعطاء من كان له دخل من عمل أو تجارة لكن دخله لا يكفي لحاجات حياته حسب مستوى المعيشة السائد في المجتمع، لكن الخلاف في إعطاء ما يزيد على كفاية السنة الكاملة.

 

 

 

المطلوب: كفاية الفقير

تقوم الجمعيات الخيرية في بلادنا بدور إيجابي فعال لمساعدة الفقراء، والتخفيف من معاناتهم، وكذلك لجان كافل اليتيم، حيث تهتم برعاية الأيتام، كما تأسست صناديق خيرية للزواج، وهي أنشطة تستحق الشكر والتقدير، فالقائمون عليها متطوعون يبذلون جهدهم ووقتهم لخدمة هذه الفئات الضعيفة في المجتمع، فجزاهم الله خير الجزاء، لكن ما ينبغي التفكير فيه هو الوصول بالفقراء والمحتاجين إلى حد الكفاية، وليس مجرد تقديم المساعدة المحدودة لهم..

 

فمثلاً تعطي الجمعيات الخيرية - في المنطقـة - للعائلة المكونة من حوالي عشرة أشخاص مبلغاً يتراوح بين 3000 إلى 4000ريال في السنة عدا المساعدات الطارئة الموسمية، وواضح أن هذا المبلغ لا يكاد يكفي لمصروفات شهر واحد لعشرة أشخاص إذا أخذنا مستوى المعيشة في بلدنا بعين الاعتبار!!

 

كما تقدر الجمعيات مبلغ كفالة اليتيم شهرياً 200 ريال عدا المساعدات الأخرى.

 

وتعطي صناديق الزواج الخيرية مبلغاً لا يغطي ثلث نفقات الزواج!!

 

بالطبع فإن ذلك راجع إلى محدودية ميزانيات هذه المؤسسات الخيرية، والمطلوب أن يتفاعل أهل الخير أكثر مع هذه المؤسسات ليرتفع مستوى إيراداتها، والعاملون ضمن هذه المؤسسات عليهم أن يضاعفوا جهدهم ونشاطهم لتوفير أكبر قدر من الإيرادات، كما أن على المتصدين للحقوق الشرعية من الزكوات والأخماس أن يلتفتوا أكثر لحاجات الفقراء والمعوزين في المجتمع. حتى ينالوا الرعاية الكاملة، ويتوفر لهم حد الكفاية في معيشتـهم، ولا يحتاج الواحد منهم إلى بذل ماء وجهه أمام أكثر من جهة وشخص، فالاهتمام بالفقراء والمحتاجين هو مقياس التدين الصادق، كما يقول تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ. وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ [سورة الماعون الآية3.2.1] .

 

اللهم أغن كل فقير وأشبع كل جائع وأكس كل عريان وأقض دين كل مدين، واجر للناس على أيدينا الخير بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم آجرنا في مصيبة امامنا الحسن المجتبى ( ع )، وارزقنا اتباع سيرته والعمل بتوجيهاته.